بالنظر للأهمية البالغة التي يحتلها مفهوم "الإستشراق" في التاريخ الإنساني عموماً والإسلامي منه على وجه الخصوص، فقد أورد مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة وعبر كتاب "الإمام الحسين في الدراسات الاستشراقية" الصادر عنه، باباً كاملاً عن هذا المفهوم مبيّناً فيه نشأته وتطوره وأهم الشخصيات الفاعلة فيه.
ونقل مؤلف الكتاب سماحة الشيخ "ليث عبد الحسين العتابي"، بعض الآراء الواردة حول تحديد البدايات الأولى لحركة "الإستشراق"، منها ما ذكره الدكتور "سمير سلمان" عن أنه نشأ في القرن التاسع الميلادي، فيما يذهب كل ٌ من "نجيب العقيقي" و"بطرس البستاني" الى أنّه نشأ في القرن العاشر الميلادي، أما "رودي بارت" فأشار الى أنّه نشأ في القرن الثاني عشر".
وتابع "العتابي" بالقول إن "هنالك رأي يقول بأن بدايات الاستشراق كانت في أيام الدولة الأموية بالقرن الثاني الهجري، وإن الاستشراق قد نشط في الشام بواسطة الراهب (يوحنا الدمشقي) في كتابيّن له هما (حياة محمد) و(حوار بين مسيحي ومسلم)، ومنهم من يرى أنّه بدأ سنة (1250 م) بعد أن غادر (لويس التاسع) مدينة دمياط إلى عكا، وكانت صيحته بعد هزيمته: (لنبدأ حرب الكلمة فهي وحدها القادرة على تمكيننا من هزيمة المسلمين) حسبما جاء في كتاب (الإسلام وشبهات المستشرقين) لمؤلفه (فؤاد كاظم المقدادي)".
ويبيّن الشيخ أنه "يمكن تحديد البداية الرسمية للاستشراق بصدور قرار ما يسمى بـ (مجمع فيينا الكنسي) عام (1312م) بتأسيس عدد من كراسي الأستاذية في اللغات العربية، واليونانية، والعبرية، والسريانية في جامعات باريس وأكسفورد وبولونيا"، مشيراً الى أن "مصطلح (مستشرق) قد ظهر لأول مرة في إنكلترا عام (1779 م)، وفي فرنسا عام (1799م)، فيما أدرج مصطلح (الاستشراق) في قاموس الأكاديمية الفرنسية عام (1838 م).
ويختتم كتاب "الإمام الحسين في الدراسات الاستشراقية" هذا الباب بالقول إنه "بالرغم من الإفتراق وعدم الإتحاد في تحديد البدايات الفعلية لحركة (الاستشراق)، إلا أن معظم الباحثين يجمعون على أن نشأتها كانت تبشيرية بحتة بكل وسائلها وأهدافها، تبعتها حركة استعمارية محمومة".
المصدر:
- الإمام الحسين في الدراسات الاستشراقية، الطبعة الأولى، أحد منشورات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2018، ص 17-18.