ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
أنّ الإسلام أكّد على قداسة العهد والالتزام مع الآخرين - بعد إبرامه- كقيمة إنسانية ودينية كبرى، ينبغي أن يدين بها الإنسان المسلم فيما بينه وبين الله سبحانه، ولا يحق له نقضها، ولا الالتفاف عليها، بتأويل مدلولها، وتحوير مضمونها.
وتوضيح ذلك: أن العهد يمكن أن يُنظر إليه بمنظورين مختلفين ..
(الأول): أن يُتلقّى كأداة سياسية بحتة لحفظ مصلحة الطرف في ظروف ضعفه وعدم قدرته على مواجهة الطرف الآخر. وعليه: إذا شعر بالقوة، ووثق بالقدرة على الإضرار بالطرف الآخر لم يلتزم به ونقضه. إما نقضاً جزئياً بالتخلف عن بعض حدوده وتطبيقاته أو نقضاً كلياً بعدم مراعاته أصلاً. وهذا هو الطابع الملحوظ في كثير من المعاهدات بين الدول في العصر الحاضر.
(الثاني): أن يُنظر إليه كقيمة إنسانية خطيرة، يجب على الإنسان رعايتها والوفاء بمقتضاها -أياً كان-ما دام الطرف الآخر يلتزمه؛ لأن من التزم بشيء فقد ربط كل وجوده وإنسانيته بالوفاء بهذا الشيء، فإنْ نقَضَه فقد نقض إنسانيته، وارتكب خطيئة كبيرة.
وهذه هي النظرة العامة للدين إلى الالتزامات بأنواعها.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص، 219 -220.