ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
(الإيضاح الثاني): إنّه ليس من مظاهر العصبيّة أيّ تعليم أو سلوك يمكن أن تبرّره حقّانيّة المبدأ الذي ينطلق منه إذا كان هذا المبدأ حقاً فعلاً.
بيان ذلك: أنّ النظر إلى الرؤية التي ينطلق منها السلوك الدينيّ يمكن أن يكون من منظورين...
الأول: أنّه اعتقاد لجماعة من الناس، بغضِّ النظر عن صحة هذا الاعتقاد وفساده.
الثاني: أنّه الرؤية الصحيحة في الحياة.
ومن شأن هذا المنظور أن يبرّر القبول بمشروعيّة كثير من التحوّطات التي لا يمكن أن يبررّها المنظور الأول؛ فإنّ ما تبررّه الرؤية الصحيحة من سلوكيّات في مقام رعايتها لا تبررّه رؤيةٌ لا يزيد حالها على كونها مجرّدَ اعتقادٍ لجماعة من الناس. ومن ثَمَّ تجد أنّ الدول التي تبني -في اعتقادها -على القوانين الحامية للديمقراطيّة وحقوق الإنسان تبرّر كثيراً من تصرّفاتها من منطلق مشروعيّة هذه القوانين، ولا تبرّر مثلها لحماية قوانين ليست كذلك.
وعليه فلو نظرنا إلى سلوك ديني ما، منْ منطلق افتراض كون الرؤيةِ الدينية هي الرؤيةَ الصائبة في الحياة، فإنّ في ذلك ما يبرّر جملة من السلوكيّات الحامية لها في تشريعاتها. فلا ينبغي النظر إلى كل ما يسمّى بالدين على وجه واحد، وافتراض أنّه اعتقاد كونيّ لجماعة من الناس فحسب؛ فإنّ من شأن هذا المقدار أن يقلّص من الأساليب المشروعة لحمايته.
فالحاصل: أنّه لا شكّ في أن الدين يعتبر الوقوف على الحقيقة والإذعان بها دون تساهل أو عناد ميزةً لصاحبه؛ من جهة ما يمثّله ذلك من تبصّر في قواعد الحياة. ومن ثمَّ يوجّه أهله إلى الحذر عن افتقاد تلك الحقيقة الخطيرة بتأثير مقصود من الآخرين، لا سيما تجاه الأساليب الناعمة التي يمكن أن يستعملها الآخر، مما قد يؤدي إلى هوان قيم الدين في نظر أهله، ويضعف تمسّكهم بتعاليمه وعقائده.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 202-203-204.