ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
ليس من عصبيّة الدين أن تدّعي الرؤية الدينيّة الحقّانيّة لنفسها؛ فإنّ ذلك أمر طبيعيّ لكلّ رؤية في أيّ مجال من مجالات الحياة بل تتقوم الرؤية بادّعائها الحقّانيّة لنفسها، وإلا كانت نظريّة راجحة أو افتراضاً محتملاً؛ وإنما الذي يخلّ بالعدالة نفيُ وجود حرمات للآخرين على سبيل التأصيل العام؛ حيث إنّه يجافي القانون الفطري.
كما إنّه ليس من العصبيّة للدين الحقّ المبني على معرفة ثاقبة بحقائق الحياة وآفاقها أن يعتقد المرء بحقّانيّة هذا الدين وصوابه؛ فإنّ مثل هذا الدين هو واعية الحقيقة في الحياة وندائها، ولن يستطيع المرء الحفاظ عليه إلّا بمعرفة قدره والاقتناع بصوابه والتمسّك به، وهذا شأن سائر العلوم الصائبة والخطيرة؛ فإنّ من الطبيعيّ أن يعتقد أصحابها بحقّانيّتها ويشعرون بالمزية من حيث الاطّلاع عليها.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 201