ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
ونظرة الدين إلى طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة هي التكامل. نعم إنّ تكامل شيئين بعضهما مع بعض على صنفين ..
(الأول): أن يكون من خلال أدائهما دوراً متماثلاً تماماً لدور الآخر، كمصراعين متماثلين يكوّنان باباً واحد كاملاً، ونعبّر عن ذلك بـ(تكامل المتماثلين).
(الثاني): أن يكون من خلال دور متفاوت لهما وفق خصائصهما كمصراعين مختلفين يكمل أحدهما الآخر ولا يصلح كلٌّ منهما إلا بذلك، ونعبر عن ذلك بـ(تكامل المختلفين).
والدين يرى أنّ الرجل والمرأة من الصنف الثاني فهما يختلفان في خصائصهما اختلافاًاقتضته سنن الخلقة وتنظيم الحياة، وهذا الاختلاف في حقيقته من السمات الرائعة والجميلة والبديعة في الحياة كما قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُواِ لَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ).
ومن ثَمّ فإنّ من الخطأ الذهاب بمذهب التساوي بين الرجل والمرأة في الإنسانيّة إلى نفي أيّ تفاوتٍ بينهما. ومن الخطأ أيضاً أن يستغني الرجل عن المرأة في الحياة أو تستغني المرأة عن الرجل فيها، فالحياة قائمة بثنائيّة الرجل والمرأة على تفاوت بينهما يكمّل به كلّ واحدٍ منهما الآخر.
وللمرأة - نوعاً - خصائصها المعروفة ومن أبرزها قوّة العاطفة والإحساس لديها بالقياس إلى الرجل، كما يتمثّل بمقارنة بسيطة بين موقف الأبوين تجاه الأولاد حيث يتأثّرموقف الأمّ بالعاطفة واللين ويتميّز موقف الأب بالحزم والقوّة.
وتلك صفة اقتضتها تكامل هذه الثنائيّة ودورها في التوليد والتربية. وهي صفة ملحوظة على وجه الغلبة، وإن أمكن تخلّفها في كلٍّ من الرجل والمرأة بعوامل إضافيّة؛ ولكن لا يمكن إنكار أن هناك اقتضاءً طبيعيّاً في المرأة تجاه اللين والعطف وللرجل تجاه الحزم والقوّة؛ ومن ثَمّ لا ترغب نوع النساء في الأعمال الشاقّة كالقتال والرياضات الخطرة على حدّ ما يرغب فيه الرجال. وللعاطفة - بطبيعة الحال - تأثير على إدراكات الإنسان وقراراته بالنظر إلى أن الإنسان كلٌّ لا يتجزّأ، فتؤثّر بعض قواه أو تتأثر من بعضها الآخر.
نعم، زيادة العاطفة لن تؤثّر على الإدراكات العلميّة البحتة، مثل الإدراكات الرياضيّة والهندسيّة للإنسان ونتائجها؛ ومن ثَمّ لا يتفاوت الرجل والمرأة فيها، ولكنّها تؤثّر على القرارات العمليّة والإدراكات المتعلّقة بها، فترى أنّ الأم تندفع إلى ترجيح الموقف الألين -بالمنظور الحاضر -تجاه الطفل، ولكنّ الأب قد ينظر إلى الموقف الأصعب - الذي يوافق صلاح الطفل بحسب عاقبته - وفق تقديره.
ومن نقاط تفاوت الرجل والمرأة هو شعورهما تجاه الآخر، فإنّه وإن كانت هناك جاذبيّة لكلٍّ منهما في نفس الآخر بما ينظّم سلوكيّاته تجاهها؛ ولكنّ المرأة هي صاحبة الإغراء والاستجلاب العاطفي في غطاء من الحياء بما لا نجد مثله عند الرجل، كما يتمثّل ذلك بوضوح في الزي الذي يميل كلٌّ منهما للبسه والظهور به أمام الآخرين؛ ويتميّز الرجل بوقوعه في موقع الانجذاب السريع والاستجابة المعلنة لهذا الإغراء .
ومن نقاط تفاوتهما أيضاً أنّ المرأة هي المولّدة للجنس البشريّ بما اقتضى رعايةَ مزيدٍ من التحوّط في ارتباطاتها، حفاظاً على الانتساب واستحقاقات الأطفال؛ لأنّ البيئة الطاهرة والمصونة هي الأساس الأوّل والأعمق لسلامة التربية.
وإثبات هذه الفروق بين الرجل والمرأة لا يعني بالضرورة كمالاً للرجل وانتقاصاً للمرأة بقدر ما يقتضي تجهيز كلٍّ منهما بحسب سنن الحياة بما يكمّل الآخر.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 176 -177-178