ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
وأمّا التمييز بالجنس -والمراد به تفضيل الذكر على الأنثى-فقد نفاه الدين، وبيّن أنّ الله سبحانه جعل من الإنسان ذكراً وأنثى للتعارف والتكامل، فالأنثى صنو الذكر وكفؤه، وقد زود الله كلا منهما بالعقل المميّز والضمير الواعي والمشاعر المؤثّرة والإرادة الحرّة. ويتحمّل كلٌّ مسؤوليّة عمله وتكون درجته بحسبه، فهما يتفاضلان بالفضيلة والتقوى.
وهذا هو الأصل العامّ والثابت والصريح في الخطاب الديني، قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى.)، وقال تعالى: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى)، وقال: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالحِاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ)، وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالحِا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )، وقال : (وَالمْؤْمِنُونَ وَالمْؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ )، وقال : (إِنَّ المْسْلِمِينَ وَالمْسْلِمَاتِ وَالمْؤْمِنِينَ وَالمْؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمْتَصَدِّقِينَ وَالمْتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لهَم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) ، وقال تعالى: (يَوْمَ تَرَى المْؤْمِنِينَ وَالمْؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ )، وقال (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً). وقد اصطفى الله سبحانه من الإناث نساءً كما اصطفى من الذكور رجالاً، كما جاء عن مريم (عليها السلام) قوله تعالى: (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالمَينَ)،وقال تعالى: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المْحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِك دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ).
وربّما أصابت امرأة وأخطأ رجل ويقع العكس كما وصفه تعالى في القرآن بقوله (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالحِيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْ نَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالمِينَ ). ومن ذلك موقف ملكة سبأ الصائب في عدم المقابلة مع سليمان (عليه السلام) بالقوّة بينما لوّح الذين استشارتهم من الرجال بالقوّة كما حكى القرآن عنها أنها: (قَالَتْ إِنَّ المْلُوكَ إِذَا دَخَلُوا.).
وهكذا نلاحظ أنّ المنطلق الأساس في الدين -رغم أنّه جاء في مجتمعات تنتقص المرأة في ثقافتها وخطابها -مساواة المرأة بالرجل في الإنسانيّة ومقوّماتها. وهي تمثل تقدماً نوعياً على التشريعات المتعلقة بالمرأة في الحضارات الكبرى المعاصرة لنشأة الإسلام.
ولكن مع ذلك فإنّ هذا لا يعني -وفق المنظور النوعي -تماثلهما التامّ في القابليّات والطاقات التي زُوّد بها كلُّ واحدٍ منهما، بل هما مختلفان بعض الشيء، فلكلٍّ خاصته وصفته وإمكاناته التي يكتمل بها مع الآخر، كما هو الرؤية العقلائيّة العامّة الراشدة.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 174- 175- 176