ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
أمّا عدم التمييز القوميّ فهو أمر ظاهر، ولو كان دين الإسلام مميّزاً لقوم لميّز العرب على غيرهم، استمالةً لهم إلى الإسلام، وموافقةً مع العصبيّة القوميّة في أوساطهم؛ إذ كان موطنهم مهد هذه الرسالة الجديدة، وبطبيعة الحال صاروا هم حملة الإسلام.
ولكن دين الإسلام لم يتعصّب للعرب ولا فضّلهم على سائر الأقوام، وقد مرَّت آنفاً آية التسوية بين الخلق على اختلافاتهم ومنها الاختلاف بينهم بكونهم من شعوب متعدّدة، كما اشتهر قول نبيّ الإسلام: (ليس لعربيّ على أعجميّ فضل إلّا بالتقوى)، بل ذكّر القرآن الكريم العرب بفضل الله سبحانه عليهم بجعل هذه الرسالة بلغتهم ، وقال سبحانه (وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)، وقال تعالى: ( وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) ؛ وورد توصيف الحكم بكونه عربيّاً، فقال سبحانه : (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيأً)؛ لكن كان من الواضح أنّه لا يعني المضمون العامّ للدين، بل إمّا أن يكون المراد ما جاء فيه من اقتفاء آثار إبراهيم (عليه السلام) الذي كان الجد الأعلى لقسم من القبائل العربية ومنهم قريش التي أصبحت سيدة هذه القبائل. وكان (عليه السلام) هو وآثاره ولا سيما البيت الذي بناه يحظى بالاحترام عند عامة العرب وإليه تحج. أو يكون النظر إلى اللغة فوصف الحكم بكونه عربيّاً نظراً إلى المعبّر عنه، كما وصف القرآن في آيات عديدة بكونه عربيّاً.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 170-171