ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
وقد ذكرنا من قبل أنّ تأمّل أيّ موقف في منظومة فكريّة وتبيّن مخارجه بالدقّة يقتضي تأمّل الآفاق العليا والمبادئ الأساس في تلك المنظومة حتّى يتبيّن المخرج المنظور للموقف المفترَض.
والواقع: أنّ الدين من خلال القرآن الكريم يجاهر بأنّه ينطلق من العدالة المطلقة بين الخلق كلّهم، وأنّ المعيار الوحيد للتفاضل هو الفضيلة والتبصّر في الحياة، وقد مرّت نصوص تأصيل العدل في جميع شؤون الوجود والحياة كمبدأ فطريّ ضروريّ لا محيص عنه، قال عزّ من قائل مخاطباً المجتمع الجاهليّ الذي كان مليئاً بالتمييز بوجوه مختلفة: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ تْقَاكُمْ].
وينفي الدين على الخصوص التمييز القوميّ والنسَبي والتمييز بالجنس كونهما تمييزين سائدين في ثقافة الجزيرة العربيّة التي كانت مهد الدين الإسلامي وعامّة المجتمعات القديمة.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص 169 -170.