ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
أما مفهوم المساواة فإنّ المرء يشعر تجاهه بشعور إيجابيّ، وينظر إلى التفضيل بدواً بنظرة سلبيّة، ولكن عند التدقيق نرى أنّه لا بدّ من المنطلق الأخلاقي والتربويّ من التفريق في التعامل بين الناس، بحسب الفرق بين سلوكياتهم ومعرفتهم، ليكون لكلٍّ درجةٌ بحسبها.
وهذا المعنى لا يخالف العدالة بل يوافقها، ولا يخلو إنسان عن ممارسته، كما نجد من أنفسنا العملَ بذلك في التعامل مع الأولاد والتلاميذ وأهل العلم والصناعة والفن وعامّة المجتمع.
فلا يصحّ أن نساوي المحسن بالمسيء، حتى إذا كان المسيء قد تعرّض لظروف خاصة كانت داعيةً له إلى الإساءة، كما لا يمكن تسوية الناس الذين يختلفون في درجات الإحسان والإساءة بل يقدَّر كلٌّ بقدره. وهذا الأمر ضرورة تربويّة، حتى يكون حافزاً على التنافس من جهة الرقيّ والكمال. كما أنه ضرورة أخلاقيّة، فإنّ من حاز على كمالٍ كان جديراً بأن يقدّر كمالُه، وليس من خَلَا عنه جديراً بمثل ذلك التقدير إلا تفضّلاً لا عدلاً بل قد يكون التفضّل منافياً للحكمة وموجباً لسوء التربية بتضعيف شعور المحسن بأنّ للتميّز قيمةً وتقديراً.
المصدر / محمد باقر السيستاني، اتجاه الدين في مناحي الحياة، ص164