ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها - من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق- يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
الظاهر أن التأصيل العام في الدين جريان الدعوة إليه على النسق العقلاني العام من التوجيه إلى الإيمان بالحق طوعاً لاعن جبر وإكراه.
فالأنبياء الذين هم قادة الدعوة الدينية أمروا بأن يبلغوا الدين ويطلبوا من الناس الإذعان به بالبشارة والإنذار، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وليس على وجه الإكراه.
كما يظهر ذلك بملاحظة ما قُص من سيرتهم في القرآن الكريم في المجتمعات التي بُعثوا إليها، حيث نلاحظ أنهم لم يسعوا إلى مقاتلة الذين لم يستجيبوا لدعوتهم - على الرغم من وضوح حجتهم على هؤلاء - بل اقتصروا على بيان الحق ودلائله مقروناً بالبشارة والإنذار، وإنما كان الآخرون هم الذين يبدؤون باضطهاد المؤمنين وقتلهم وتعذيبهم، وربما أذن الله سبحانه لمبعوثيه بحالات من الإعجاز تأكيداً لحجتهم وإثباتاً لصدق كون الرسالة من الله تعالى القادر على الإعجاز، وفي هذه الحالة إذا أصروا على عدم الإيمان بعد تمام الحجة البالغة عليهم واستمروا على تكذيب الدعوة تعسفاً واضطهاد المؤمنين نزل عليهم عذاب خارق من الله سبحانه وتعالى.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص 150.