في محافظة كربلاء المقدسة جنوب غربي العراق، حيث الصحراء الواسعة، تستقر كهوف تشير إلى حياة شهدتها الأرض في زمن بعيد يعود إلى أكثر من 3 الاف سنة، تم استخدامها لأغراض مختلفة.
كهوف "الطار" غرب كربلاء، والتي يقدر عددها بحوالي (٤٠٠) كهف، وبعمر أكثر من (٣٣٠٠) سنة، كانت تستخدم كخانات ثم استخدمت كمقابر ثم ربما كأماكن للعبادة، وتقع تحديداً على يمين الطريق المؤدي إلى عين التمر، حيث تبعد عن مركز محافظة كربلاء بمسافة تقدر بـ (45) كم جنوب غرب كربلاء، و(15) كم إلى الشمال الشرقي من حصن الاخيضر، كما أنها تقع غرب العاصمة القديمة بابل مسافة (80) كم.
التكوين المركب من مجموعة كهوف محاط بعدة وديان وواحات، يحتل موقعاً مهماً في الجزيرة العراقية الجنوبية العربية، حيث تقع بين بابل من الشرق والجزيرة من الغرب، لذلك فإنه من المحتمل جداً ان تكون في العهود القديمة، محطة مرور للأقوام القديمة الذين ينتقلون في الغرب أو الجنوب إلى جهة الشرق، كذلك من الشرق إلى المناطق الغربية والجنوبية.
تتكون المنطقة من كهوف فوق مستوى الوادي بقليل، ولكل كهف فتحة صغيرة لا يتجاوز ارتفاعها المتر ونصف وعرضها نصف متر، وهي غرف صغيرة فيها فتحات تصل إلى غرف ثانوية، وآثار الدخان بادية للعيان على السقف.
وهناك الكهوف التي تقع فوق مستوى الكهوف الأولية، وهذه الكهوف تختلف في هندستها وشكلها حيث انها منتظمة الحفر وبشكل إسطواني، وتوجد ايضاً كهوف اخرى تقع على امتداد الوادي.
ويأتي اسم "كهوف الطار" من مؤشرات مختلفة، ففي اللغة القديمة تعني كلمة "الطور" الجبل وأيضا تعني في تلك اللغة القديمة "الإنقاذ"، وهذا يدلل على أن هذه المنطقة كانت زاخرة بالحياة والدليل هو وجود غرف صغيرة تبدو وكان شبابيكها ظاهرة للعيان عندما تمر بسيارتك وأنت على الطريق العام.
هذه المرتفعات الصخرية تمتد من مدينة النجف لتصل إلى غرب كربلاء وأعلى ارتفاع لها يبلغ (65) متراً عن سطح البحر وهو ارتفاع كافٍ لتسمى طاراً وتكون منقذاً للناس في ذلك الزمان من الكوارث.
حددت بعثة يابانية جاءت إلى هذه المنطقة الأبعاد التاريخية لها، وقد توصل البروفيسور "هيدو فوجي" رئيس البعثة الآثارية اليابانية في العراق ورئيس بعثة التنقيبات في كهوف الطار، الى أن ثلاثة أطوار مرّت بها هذه الكهوف، الأول قبل ثلاثة عشر قرناً قبل التاريخ، والثاني في عصر البارثيين، والثالث في العصر الإسلامي.
ويقسم الآثاريون والباحثون هذه المنطقة إلى مجمعات اختصرت بحروف أجنبية، فيما كانت أبرز الاكتشافات وجود قطع صغيرة لم تكتشف سابقاً مثل نسيجها الملون الناجم عن وجود هذه الكهوف في منطقة رطبة لوقوعها بين بحيرة الرزازة ونهر الفرات، إلا إن هذه الكهوف وكما يقول الباحثون، كانت جافة لذلك ساعدها هذا التكوين على أن يبقى هذا النسيج الناعم الملمس في القطع الصخرية دون أن تصاب بالتلف أو الذوبان، حسب وصف البعثة في تقريرها عن هذه الكهوف.
وعن موقعها التاريخي القديم، فهو إلى الغرب من العاصمة القديمة بابل بمسافة (80) كم وإن هناك ما يقارب من (400) كهف في هذه المنطقة محاطة بعدة وديان وواحات وتقع بين بابل الشرق والجزيرة في الغرب.
ومن المحتمل وحسب قول البروفسور "فوجي"، أن تكون في العهود القديمة محطة مرور للأقوام القديمة الذين ينتقلون من الجنوب أو الغرب إلى جهة الشرق أو العكس، كما يعتقد البروفسور الياباني أن التحليلات والفحوصات التي أجريت على صخور الكهوف، دلت على إنها نحتت صناعياً من قبل الإنسان في طبقة صخور مشبعة بكاربونات الكالسيوم في حدود سنة (1300) ق.م وإعتقد أيضاً إن سبب حفرها أو نحتها يعود إلى أغراض دفاعية وأستخدمت بعد ذلك كقبور لدفن موتى من كانوا في ذلك المكان.
ومن خلال الفحوصات للأنسجة المكتشفة بواسطة جهاز كاربون (14) تبين أن الاستعمال الثاني لهذه الكهوف كقبور يعود إلى فترة ما بين القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثالث بعد الميلاد.
ويعتقد العلماء أن هذه المناطق كانت قد سُكِنت على نطاق واسع في العراق وبالتحديد في منطقة الجزيرة الجنوبية الغربية كـ "عين التمر" و"قصير" مثلاً، والأقاليم المحيطة بمنطقة كهوف الطار كالحضر والحيرة، التي ربما كانت المصدر للأنسجة المكتشفة في قبور كهوف الطار، فيما يبقى "الطار" واحداً من مواقع الآثار العراقية القديمة التي تدل على ابداع إنساننا العراقي المحتفي ابداً بقيم الخير والجمال.