أن الدين فضلا عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها أو معونتها للإنسان.
ما تضمنته الرؤية الدينية من وجود الله سبحانه وعنايته بالإنسان. فإن الإنسان يتطلع إلى وجود كائن أعلى منه، قدير، يملك أزمة الحياة، ويعيش هو في کنف رعايته، وهذا الأمر هو الذي سهل إذعان الإنسان بالدين منذ عمق التاريخ من غير فرق بين الأقوام والملل المتباعدة، كما يتبين ذلك في الدراسات النفسية والاجتماعية والتاريخية، وما جاء فيها من رصد وتحليل لظاهرة الدين في الحياة الإنسانية. لكن تمسك الإنسان بالمشاعر الحسية أدى به في جملة من الحالات إلى الإذعان ببدائل موهومة وخرافية - كالأصنام والكواكب والبشر - وهو أشبه بالطفل الذي لا يجد أمه، فيتمسك بامرأة أخرى على أنها أمه. والحاصل أن هذا البعد من جملة الأبعاد التي رصدت بوضوح في الحياة الإنسانية، ومهما وقع البحث في أساس نشأة الدين في حياة الإنسان - فهل هو رسالة من الخالق، أو هو من صناعة فئة طموحة في توجيه الناس إلى مسار الفضيلة أو أي مسار آخر، أو هو نتيجة التخيلات الطارئة على الإنسان في حالات معينة تطورت حتى صارت عقيدة جمعية بالتلقين والتأثير؟ -فلا اشكال في ان هناك تقبلا واسعا وعميقا من الانسان لهذه الفكرة، وشعورا بالتعلق بالإله والطمأنينة في كنفه
المصدر اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص62