أن الدين فضلا عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها أو معونتها للإنسان.
أنه ينبغي أن يلتفت الباحث إلى أن من غير الوارد أن يكون النص القرآني ناظرا إلى بيان حقائق تخالف الانطباع المستقر في محيط نزوله مخالفة واضحة؛ لأن من شأن هذا الأمر أن يثير شبهة في أذهان المخاطبين - من حيث مواجهة الانطباع المستحکم عندهم - فيكون مخالفا لما هو الغرض من هدايتهم. كما أنه يخالف منهج الدين من التعويل في الإقناع به على الحجج الفطرية التي هي في متناول الفهم العام، وهو منهج يأتي إيضاحه إن شاء الله تعالى في القسم الرابع من سلسلة (منهج التثبت في الدين). ومن ذلك يعلم أنه لايصح أن يستفاد من سكوت النص عن تخطئة بعض الانطباعات الرائجة في عصره - المجافية للحقائق العلمية - دلالة على إقرار النص بها، حتى يكون ذلك مأخذا عليه.
بل هناك من يرى أنه لا مانع من أن يعبر النص الديني أحيانا عن بعض المعاني بالتعابير السائدة آنذاك - حتى وإن لم تكن دقيقة بحسب الحقائق العلمية - من قبيل تعبيره عن الأولاد الذين أولدهم الإنسان بنفسه ولم يحصل عليهم بالتبني أو الرضاعة بالأبناء الصلبيين جريا على التعبير السائد آنذاك، فإنه على الرغم من كون هذا التعبير مبنيا على ما كان يتصور من أن ماء الرجل إنها ينزل من صلبه، إلا أنه ليس في استخدام النص له أي دلالة على الإقرار به، وإنما هو من جهة كونه السبيل الأمثل لأداء المعنى.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص57