أن الدين فضلا عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها أو معونتها للإنسان.
لا ينبغي للباحث في شأن الدين أن يتكلف محاولة تفسير نصوصه على وجه تشير به إلى حقائق غير معهودة آنذاك؛ فإن ما استخرج بالتكلف لا تقوم به حجة، وحقانية الدين في غنى عن مثل ذلك، بل قد يوجب مثل ذلك وهن الدين في الوسط العلمي والثقافي العام؛ فإن من الحجج الضعيفة ما يوهن الدعوى الحقة بضعفها بدلا من تقويتها وإثباتها.
وأما نظر الدين إلى الاحتجاج بالإعجاز العلمي - تحسبا للحقب اللاحقة التي تنكشف فيها كثير من الحقائق العلمية - فهو أمر غير مطروح بشكل صريح من قبل الدين لإقناع الناس؛ فإن وجد الباحث ما يفيد ذلك بملاحظة مدلول النص في ضوء الأدوات اللغوية المستخدمة فيه، بما لا يخرج عن مقتضيات الأداء الراقي والبليغ والمسترسل كما لاحظنا ذلك في عدة موارد فلا ضير فيه. هذا، ولا ينبغي تسرع الباحث - في مقام إثبات الإعجاز العلمي للقرآن - إلى دعوى عدم معهودية بعض الحقائق المذكورة في القرآن الكريم في المجتمع الذي نزل فيه؛ فإن هناك أمورا كانت معروفة في ذلك المجتمع - كما يظهر بالاطلاع على تاريخ العرب قبل الإسلام – وأمورا أخرى لا سبيل إلى إثبات اطلاعهم عليها، ولكن لا يمكن نفي ذلك أيضا إلا بمؤشرات ظاهرة أو حجة واضحة.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص56