إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
(الحكمة 8): إذا وقف الإنسان على مرتبة الإدراك ودرجة أهمية المدرك اقتضى ذلك الاهتمام اللائق بالشيء بحسب ملاحظة المجموع، والاهتمام بالشيء يكون على نحوين مترابطين: نفسي وسلوكي.
أما الاهتمام النفسي فبأن تترتب على الشيء المشاعر المناسبة له من خوف أو رجاء، وحب أو كراهة، وفرح أو حزن، وثقة أو ترديد، وعزم أو لا مبالاة، وإذعان أو توقف.
وإذا لاحظ الإنسان بالتفاته إلى مشاعره وجود خلل فيها لعدم تناسبها مع المدرك فلا بد من البحث عن سبب ذلك، ومعالجته بالأساليب التربوية، وهذه هي حقيقة عملية تزكية النفس، فهي تخليص الإنسان نفسه من الحواجز النفسية التي تحول دون تدفق المشاعر الحكيمة المناسبة لعلومه وإدراكاته الذهنية.
ويتفرّع على ذلك أن الإنسان بعد الإيمان بالحقائق الكبرى في الحياة من الله سبحانه والدار الآخرة ينبغي أن يعيش حالة الإيمان والإذعان بها، فيحب الله تعالى ويرجو عنايته وثوابه، ويثق بقوله ويعزم على طاعته، ويفرح بما وُفّق له من مرضاته، وعلى نقيض ذلك يكون الحال في ما يبعده عنه فيكره الشيطان الرجيم والدنيا المذمومة بالشهوات العاجلة، ويخاف من خذلانه وعقابه سبحانه، ويحزن بما ارتكبه من المعاصي.
وأما الاهتمام السلوكي فبأن يكون عمله استجابة صادقة لمشاعره فتكون إدراكاته ومشاعره وسلوكياته منسجمة في ما بينها وهذا تمام الحكمة، فمن لم يكن عمله مناسباً لمشاعره وجب أن يتهم مشاعره بخلل أو نقصان.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص42- 43.