إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
في لزوم تحصيل الإدراك وتنميته
أن من الواجب على كل امرئٍ عاقل أن يهتم بتحصيل العلم بقواعد الحياة وأصولها، وبتنمية معلوماته عنها، رعايةً لخطورتها والتجنب عن الآفات التي يمكن أن يُبتلى بها في اعتقاداته وانطباعاته عنها.
ومن جملة تلك الآفات الشائعة ما يأتي:
عدم حمل الأمور على محمل الجد اللائق بها، والتعامل معها بضرب من التلهي حتى كأنه ضرب من الترف الفكري الذي لا ضرورة إليه، كعدم استشعار أهميتها وخطورتها، وهذا من وجوه التهوّر الفكري وهو في مجانبته للحكمة على حدّ التهوّر العلمي، كمن يتلاعب بالكهرباء من دون أن يأبه بمخاطر علمه هذا.
ومن مظاهر هذا الأمر اكتفاء المرء بتلقف بعض الشبهات المطروحة من غير متابعة البحث عنها، ولقد صدق الله سبحانه إذ قال: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ).
جعل الاحتمال ظناً والظن جزماً ويقيناً، وهذه آفة شائعة في الوسط العامّ، ومن أمارات وقوع المبالغة في ادعاء اليقين فيما لا يقين به أن يطرح امرؤٌ على المدعى التزاماً جزائياً ثقيلاً فيما كان من الممكن التحقق من صحة ما ادعاه، فترى أنه يتنازل عن دعوى العلم حينئذٍ، وهذا دليل على مبالغته في ادعاء العلم أولاً.
ومن عجيب ما يتفق من هذا الباب أنّ مقولةً ما قد تكون عند التخصّصي في حدّ الافتراض العلمي أو النظرية العلمية البحتة ولكن يبتّ بها غير المتخصصين ويعتبرونها من قبيل الحقيقة العلمية الجازمة.
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص37.