إنَ أهم ما يُلزم على الإنسان في هذه الحياة بعد العلم بحقيقتها وآفاقها وغاياتها من خلال الإيمان بالله سبحانه ورسله الى خلقه والدار الآخرة هو توعيته لنفسه وتزكيته إياها، بتحليتها بالفضائل وتنقيتها من الرذائل، حتى يتمثل علمه في عمله واعتقاده في سلوكه، فيكون نوراً يستضيء به في هذه الحياة ويسير بين يديه وبإيمانه في يوم القيامة.
(الحكمة 4): أن الإدراك المعتبر في عملية الموازنة ليس هو مطلق الإدراك الذي يحصل للإنسان، بل خصوص الإدراك الناشئ عن المبادئ السليمة المناسبة بحسب الفطرة الإنسانية، دون ما ينشأ عن الأهواء والرغبات والانفعالات والميول النفسية، فمن فاتته الحقيقة وانتهك القيم على أساس إدراك ناشئ من هذه المناشئ لم يكن معذوراً، نظراً إلى أن على المرء بحسب ما أودع في فطرته أن يتحرى الإدراك السليم، فسلامة مبادئ الإدراك منطق فطري جهز به الإنسان من خلال فطرته، فمن لم يراع هذا المنطق كان محجوجاً بما أودع في باطنه.
ولا فرق في ذلك بين الاعتماد الجازم وبين الاطمئنان وسائر مراتب الاحتمال، ففوات كل مرتبة إدراكية عن الإنسان بسبب تدخل عوامل غريبة عن المنطق الموضوعي الفطري للإدراك يستوجب مسؤولية الإنسان عن السلوك الخاطئ الحاصل بسببه.
وهذا المبدأ مشهود لكل إنسان بالتأمل في داخله، كما هو معروف بين العقلاء، فإنهم لا يعذرون المرء في خطئه إذا نشأ عن عصبية وهوى وانحياز ونحوها.
وبذلك بلّغ سبحانه عباده في رسالته الكريمة إلى خلقه، فحذر الإنسان من الحواجز النفسية الموجبة لضلاله وغفلته عن دلائل الحق كما قال عزّ من قائل: (فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص36.