لقد جاء الأنبياء والمرسلون ليرشدوا البشر إلى طريق بناء النفس وتزكيتها وتطهير النفوس الإنسانية من الرذائل والأخلاق السيئة والصفات البذيئة، وتعصمهم الفضائل ومكارم الأخلاق، وارشادهم الى طريق الصلاح والكمال لنيل مقام القرب الإلهي.
والوجه في اعتبار تزكية النفس جهاداً، وجعلها أكبر من جهاد الأعداء- مع ما فيه من تعريض النفس للتهلكة، وهي أعز الأشياء لدى الإنسان- أن التزكية لا تتأتى بدون جهد جهيد وسعي حثيث وعمل دؤوب، ورب إنسان تكون مخاطراته بنفسه إذا أثيرت أسهل عليه من انتظار بحق وسكوت بحكمة وصبر في أناة لما يتجرعه حينئذ من غصص ويشعر به من مرارة ويعانيه من كبت.
ولذلك ورد ما يفيد أن مَن مات على فراشه عارفاً بالله وبحق رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) -وهو مستعد للتضحية بنفسه في سبيلها- يعطى ثواب القائم المستشهد في سبيل الله، وان لم يضرب بسيف ولا قاتل بسلاح، وفي مثله ينطبق ما ورد في الأثر من أن نية المؤمن خير من عمله.
كما أن المجاهد في الحرب مقاتلٌ لغيره، وشاهدٌ لنفسه في قبال خصمه، والمجاهد لنفسه كأنما يقاتل ببعضه بعضاً، وهو في ذلك شهيد على نفسه بالحق، وقتال المرء لنفسه وشهادته عليها أشق من قتاله لغيره وشهادته عليه، إذ لا يتمثل عدوه أمام عينه فيأخذ حذره منه، بل ينفذ الى داخله متنكراً من بين جوانحه في صورة محببة له، ويتترس وراء رغباته وميوله.
ثم إن جهاد العدو إنما يكون في أيام معدودة، وجهاد النفس يحتاج الى مرابطة دائمة، لأن النفس عرضة للانحراف في كل حين، فلا يتأتى الاستمرار عليه إلا بمزبد من العزم والبصيرة والثبات.
...............................................
المصدر: أصول تزكية النفس وتوعيتها، محمد باقر السيستاني، ج1، ص10- 11.