وقفت الحوراء زينب ذلك الموقف البطولي ولم تتزلزل عن موقعها، صامدة مستقيمة، في كل لحظة كانت تمسك بزمام الأمور ولا تدع شيئا ينفلت حتى يصبح أبناء أهل البيت (عليهم السلام) في مأمن، فكانت هي الحامية لهم.
إن الحوراء (عليها السلام) كانت سيدة جليلة وعظيمة، مرت بأدوار تاريخية كبيرة وصعبة جدا، لا يمكن أن يتحمّلها إلا الشخص العظيم وهي حفيدة رسول الله (صلى الله عليه وآل وسلم) وبنت السيدة فاطمة الزهراء والإمام علي (عليهما السلام) وأخت الحسن والحسين (عليهما السلام).
في شخصيتها كان الإيمان واليقين والتسليم وهذا هو المستوى الراقي لهذه الشخصية في مقام المستوى الكبير للأولياء، فهي البذرة الصالحة الكبيرة التي جسدت في كربلاء السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، بقوتها وعظمتها وهيبتها وجسدت في الطف والدها أمير المؤمنين (عليه السلام) ببلاغتها وخطابها وشجاعتها وصمودها.
ومن صفات السيدة الحوراء زينب (عليها السلام) البصيرة والعلم والفهم، فالإنسان موقف، أما يتخذ موقفا صالحا أو سيئا والذي يتخذ موقفا في حياته وخصوصا إذا كان موقفا عظيما، فهو يمتلك بصيرة كبيرة، فالبصيرة هي القدرة على النظر إلى ما وراء الحُجب الدنيوية والمادية ورؤية الواقع كما هو وهذا ينشأ من العلم وبالنتيجة فإن التعلّم الجيد والمركّز والتعلّم الشخصي الصحيح وتعلّم المبادئ الصحيحة وأسس العلم المفيد وخصوصا العلم الإلهي، يعطي للإنسان بصيرة.
كما إن شجاعة السيدة زينب (عليها السلام) هي التي جعلت عرش الطاغية يزيد يتزلزل، فالشجاعة تغلب الظلم دائما والشجاع غالب والجبان مغلوب، فالسيدة زينب (عليها السلام) لم يرهبْها ذلك الطاغية الجالس بين جيوشه وقواته وأخذ يستهزئ بأهل البيت (عليهم السلام)، إذ خاطبته الحوراء (عليها السلام) بكلمات عالية جدا في رزانتها ورصانتها، كما أعطت ببصيرتها رؤية للمستقبل بقولها "وهل رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد" وهذا ما حدث بالفعل، فأن الطغاة ليس لديهم رأي بل وهم يصنعوه من أجل تثبيت حكمهم، لكن كلمتها زلزلت عرش الطاغية وهزت اركانه وبددت جمعه.