ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها - من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق- يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
نعم في شأن الله سبحانه لابد من الإذعان القلبي أيضاً وأن يكون هذا الإذعان طوعياً. لكن بالرغم من ذلك فإن في الإذعان القولي بذلك تجنب عن الإساءة إليه بالقول، ومراعاة لمقتضيات حقه سبحانه والأدب معه بعض الشيء، مما يجعل المذعن له بظاهر من القول أحسن حالاً من هذه الجهة ممن لا يفعل ذلك.
وعلى الإجمال فإن في عدم المعرفة بالله سبحانه والإذعان به وبرسالته التي بعثها إلى العباد نحو ظلم وكفران، ومن أذعن قلباً أو لساناً كان أبعد عن الظلم والكفران بالنسبة إليه من لم يذعن بذلك وجاهر بإنكاره متنكرة لحقه.
ومن ترك خطوة ظالمة تجاه غيره فإن ذلك خطوة سليمة منه في حد ذاته، وإن كان ظالماً لذلك الغير من جهة عدم إيفاء حقه كاملاً.
ولا ينافي ذلك ما ورد من تسوية المنافقين بالكفار بل جاء أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، ووجه عدم المنافاة: أن المنافقين لم يكونوا مقتصرين على الإذعان الظاهري بالله وبرسوله (صلى الله عليه واله وسلم)، بل كانوا يجعلون هذا الإذعان سبيلاً إلى المكيدة بأهل الإيمان نظير اتخاذهم مسجداً ضراراً تفريق بين المؤمنين.. إلى غير ذلك من خطواتهم المسيئة والضارة بالإيمان.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص 144.