ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها - من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق- يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
توضيح ذلك: أن الاختيار الإنساني قرار نفسي بسلوك معين، وهو يعتمد على عناصر ثلاثة..
1. الدواعي والمؤثرات النفسية، فأي اختيار إنساني لا ينفك عن تأثر بداعٍ ما، فلا يمكن أن يختار الإنسان ما لا داعي له إليه أصلاً، فالداعي ضروري في الاختيار، ولكنه ليس كافياً بل يحتاج إلى اتخاذ المرء قرارة نفسية وفق ذلك الداعي.
٢. الوعي أو (الرشد الفكري)، بأن يلتفت المرء إلى خيارين له، ويلتفت – ولو ارتكازاً - إلى صفة كل منها من كونه نافعاً أو ضاراً، خيراً أو شراً.
وعليه فلا يتصف سلوك الإنسان يكونه اختيارياً بمعنى تحميله مسؤوليته إلا إذا بلغ مستوى مقبولاً من الوعي والرشد، ولا يكفي وجود قرار نفسي بمباشرة عمل من خلال إرادته له، فإن عمل الطفل أيضاً لا يخلو عن إرادة، ولكنه لا يتصف بكونه اختيارياً بهذا المعنى. وكذلك الحال في الحيوانات.
٣. القدرة على المباعدة عن التأثر بالداعي وإن كان قوياً، وهذا هو الركن الأساس للاختيار، فلو كان الداعي يعمل في الإنسان كعمل القوى الطبيعية لكان حصول الداعي مساوقاً لحصول الفعل من الإنسان، كما أن وجود النار يساوق اشتعال ما جاورها، وشرب السم يساوق ممات الشارب له. ولكن الداعي النفسي لا يؤدي إلى حصول الفعل نوعاً – وإن كان قوياً - بل تبقى للمرء القدرة على مباعدته وعدم الانسياق وراءه.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص 129.