بقلم: حسن كاظم الفتال -الجزء الأول
بسم الله الرحمن الرحيم (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ـ البقرة / 245
لعل من العسير جداً أن تغادر ذاكراتِنا مآسي الزمن الماضي السحيق وأخصّ منها ما يتعلق بمنظومتنا التراثية العقائدية والتمسك بها وربما في مقدمتها تعاطينا مع مقدساتنا وممارستنا لطقوسنا وشعائرنا التي تؤجج فينا الرغبة الجامحة لأداء مراسيم الزيارة للعتبات المقدسة التي باتت تمثل جزءاً مهماً من إكتساب الثقافة الدينية المتلازمة بالمنظومة القيمية والخُلقية التي تقترن بصفات وسجايا وخلُق الفرد الشيعي وذوقه الراقي.
إذ أن وجود العتبات المقدسة والوُفود إليها، هو جزء لا يتجزأ من مسيرة حياتنا العقائدية، بل هو ضرورة من ضرورات التحلي بالسجايا والصفات المحمودة الجاذبة لمن هو خارج هذا الإطار.
لذا فأن من أشدّ ما عانى منه الفرد الكربلائي على وجه الخصوص والفرد الشيعي أو المسلم العقائدي على العموم، هو وضعَ قيود قاسية في زيارة العتبات المقدسة، فإن وافِدَها ممن إستطاع إليها سبيلاً لا يمكنه أن يضمن الأمان والاطمئنان دائماً حين يتوق لدخول الصحن الحسيني الشريف مثلاً، إذ أن معظم الناس لم يستطع إليه سبيلاً بسبب إشاعة الرعب داخل النفوس مما يدعو لأن تنتاب الزائرَ رهبة بمجرد بلوغه باب الصحن الشريف، وكم من الناس كان يتردد كثيراً من الوصول وأداء الزيارة خشية من أن يتم رصده وتشخيصه من قبل النظرات الشزرة لأولئك المراقبين من جلاوزة السلطة وعيونها ممن هم مكشوفو الهوية ومنهم من لم يكتشف من قبل الناس وفيهم من كلفته السلطة الجائرة ومنهم من تطوع ليؤدي عمله بالسر والخفاء تملقاً وتزلفاً وتحقيقاً لبعض المآرب، وإن الداخل والراغب بالمكوث بعض الوقت برحاب الصحن الحسيني الشريف ما عليه إلا أن يفترش البلاط الإسمنتي ذا الحجم الكبير (الشتايگر) إذ لا وجود لفرش كافٍ مع عدم توفر أي كتاب للزيارة مثلا إلا المصحف الشريف المهمل في الرفوف فلا وجود لأي كتاب يحتوي على تدوين الزيارة او الأدعية كـ (مفاتيح الجنان) أو (ضياء الصالحين)، بل إن هذين الكتابين يمكن أن يسوقا من يحملهما إلى مصير مجهول.
وبين الفينة والأخرى يخلو الصحن الحسيني الشريف تماماً أو حتى الضريح من الوافدين بسبب إشاعة مقصودة أطلقت هنا أو هناك أو غير ذلك، ولكن إيماننا بأن العتبات المقدسة محروسة بعين الله وتحت رعايته ومحفوفة بأفواج الملائكة لحراستها فقد كان بعضنا يتحدى كل الإشاعات والملامح واللمحات والإشارات والإيماءات التي كان يقوم بها بعض جلاوزة اللا نظام وأتباعه أو ممن يبالغ بالتملق وغير ذلك، ومعظمنا اليوم يختزن في ذاكرته بعض القصص التي هي مصداقٌ حيٌ لما نقول.
نصيب كربلاء المقدسة من الإهمال
أما مشاريع الإعمار في مدينة الإمام الحسين "صلوات الله عليه" تكاد أن تكون معدومة فهي شبه ذلك، إذ هي نادرة جداً ولا تليق بمدينة مثل مدينة سيد الشهداء "صلوات الله عليه"، وإن ما تمَّ من هدم للكثير من المناطق بحجة التوسعة والإعمار داخل مركز المدينة فما الهدف منها إلا إزالة بعض المعالم التأريخية المهمة، والتغيير الديموغرافي، والسعي لتشتت التجمعات السكنية وإبعادها عن مركز المدينة وفسح المجالات أمام إمكانات فرض القيود والمراقبة للسيطرة على كل حركة ومعرفة كل شاردة وواردة لتنفيذ المآرب في حماية النظام وضمان مدة أطول لبقائه، فضلاً عن السعي الى التشتت الاجتماعي، وظلت مدينة كربلاء المقدسة تعاني وتشكو الإهمال الا ما ندر أو مما هو صوري لا قيمة له.
وتحكم الأيادي النزيهة قبضتها
حتى أذن الله أن يبرح الطغاة المغفلون هذه الأرض الطاهرة وأن يندحر الرجس ويغادر مستقر الطهر والطهارة، وإكتسى الكل جلباب الفرحة وعمَّ البشرُ النفوس وغادرت الحسرات الصدور ليستقر فيها الإنشراح، حدث ذلك حين أحكمت الأيادي النزيهة والأمينة البيضاء قبضتها وتسلمت المرجعية الرشيدة التشرّف بإدارة شؤون العتبات المقدسة وسلمتها بأيادٍ أمينة نزيهة ولصدور محتشدة بالحرص والحماس والإندفاع بإخلاص شديد على رعاية شؤون العتبات المقدسة وإعادة مجدها وهيبتها بتأسيس منظومة خدمية إستثنائية لتقديم أفضل الخدمات وأرقاها.
ولا نجافي الحقيقة أبداً حين نمنح الأحقية التامة لإدارة العتبة الحسينية لتحتل الصدارة في إنجاز المشاريع الخدمية العملاقة النموذجية التي عجز الكثيرون عن الإتيان بمثيلاتها من تلك التي تليق بمدينة كربلاء المقدسة.
ولا غرابة حين نجد أنها أصبحت محط أنظار القاصي والداني وإنفردت وتميزت بجهود استثنائية شهد لها الكل بما تقدمه من خدمات وتسهيلات وتوفير الأجواء المناسبة للزائرين الكرام، وبعد ان قطعت شوطاً طويلًا في الخدمة التميزية واكتسبت خبرة مما لم يكسبها سواها، وبعد أن تملّكها شعور بأن ثمة مفاصل كثيرة مما يتعلق بالبنى التحتية الإعمارية الهندسية الإجتماعية التربوية وغير ذلك بحاجة إلى تغيير أو تحسينٍ أو ترميم في طبيعتها وهيئتها وهيكليتها وإن تحسينها يضفي النظارة والجمالية لمدينة سيد الشهداء "عليه السلام" ولتراثها الحسيني.
إرتأت إدارة العتبات أن تمد يد المساهمة في إضفاء النظارة والتغير نحو الأفضل ولكل ما يمكن أن يوفر الأمان والراحة النفسية للزائر بتوفير اجواء مناسبة وكل ما يعكس الصورة الحضارية التي تليق بمدينة سيد الشهداء، كربلاء المقدسة وبالمواطن الكربلائي، وتسهل للجميع أداء مراسيم الزيارة كذلك بكل ارتياح وسعادة واطمئنان قلبي وافر.