خلال القرن الرابع الهجري، ظهرت شخصيات محلية في أطراف الدولة العباسية استغلت حالة الفوضى الأمنية والسياسية لتحقيق طموحاتها الشخصية، من أبرز هؤلاء ضبة بن محمد الأسدي، المعروف أيضا بـضبة بن يزيد الأسدي، الذي اتخذ من عين التمر، البلدة الواقعة غرب كربلاء، مركزا لنشاطاته، اشتهرت أفعاله بالسلب والنهب وقطع الطرق، ليصبح رمزًا للفوضى والاضطرابات في تلك الفترة.
ففي عام 354 هـ (965 م)، وقع خلاف شهير بين ضبة بن محمد الأسدي والشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي، تطور هذا الخلاف إلى مواجهة كلامية هجاه فيها المتنبي بقصيدة شهيرة مطلعها:
ما أنصف القوم ضبة
وأمه الطرطبة
كانت هذه الأبيات إهانة صريحة لضبة وأسرته، ما دفع خاله فاتك بن أبي جهل الأسدي إلى التدبير لقتل المتنبي، نصب فاتك كمينًا للشاعر أثناء عودته من بلاد فارس متجهًا نحو الكوفة، حيث اعترضه ورجاله عند منطقة دير العاقول، اندلع قتال انتهى بمقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح في 28 رمضان 354 هـ _965 م، يُقال إن المتنبي حاول الفرار، لكنه قرر المواجهة بعد أن ذكّره غلامه ببيته الشهير: (الخيل والليل والبيداء تعرفني .... والسيف والرمح والقرطاس والقلم)، فرد عليه المتنبي بالقول (لقد قتلتني بهذه.. قتلك الله) فرجع وقاتل بشهادة حتى قتل في منطقة يقال لها الصافية شرقي نهر دجلة (في النعمانية محافظة واسط).
استمر ضبة بعد هذه الحادثة في أعماله العدائية، وأصبح أكثر جرأة، مستغلا ضعف السلطة المركزية وانشغالها بأزمات داخلية،في عام 369 هـ (980 م)، شن غارة واسعة على مدينة كربلاء، استباح فيها حرمة المدينة، حيث نهب الأموال، وانتهك مشهد الإمام الحسين (عليه السلام)، وأسر العديد من سكانها واقتادهم إلى قلعته في عين التمر.
أثارت هذه الجريمة غضب عضد الدولة البويهي، الوزير القوي في الدولة العباسية، والذي قرر معاقبة ضبة وردع تمرده، أرسل عضد الدولة حملة عسكرية قوية إلى عين التمر بقيادة أحد قادته البارزين، حاصرت القوات القلعة لفترة طويلة، مما دفع ضبة إلى الهرب عندما أيقن أن الهزيمة قريبة، فر قافزا بجواده من أعلى سور القلعة، تاركا أهله وأمواله لقوات عضد الدولة التي سيطرت على القلعة وأطلقت سراح الأسرى من أهل كربلاء.
بعد القضاء على نفوذ ضبة، أمر عضد الدولة بتعيين أحد العلويين حاكما لعين التمر لضمان استقرار المنطقة ومنع تكرار الفوضى، كما امر بتشييد سور حول كربلاء لحماية كربلاء والحائر الحسيني من النهب والغزوات.
راجع
محمد حسن مصطفى الكليدار آل طعمة،مدينة الحسين،من إصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث،2016،ط1،ص171