في عام 1922م، واجهت الدولة العراقية الحديثة أخطر تهديد أمني منذ تأسيسها عام 1920م، تمثل في هجمات الحركة الوهابية التي استهدفت المدن العراقية عبر الصحراء، حيث مارست القتل والنهب مستغلة ضعف الجيش العراقي الذي لم يكن كافياً لتأمين الحدود، وأمام هذا التحدي، انعقد مؤتمر كبير في مدينة كربلاء المقدسة في مارس 1922م، بهدف مواجهة هذه الغارات الوهابية، أشرف على المؤتمر السيدان نور الياسري وعلوان الياسري، في وقت كانت الأزمة فيه في ذروتها.
برزت في الفرات الأوسط حركة وطنية قادها زعماء عشائر من بينهم الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وعلوان الياسري، حيث عملوا على حشد العشائر العراقية واستنهاضها للدفاع عن العراق ضد الهجمات الوهابية،في هذا السياق، تواصل هؤلاء الزعماء مع علماء الدين في النجف وكربلاء، مثل السيد أبو الحسن الأصفهاني وشيخ الشريعة الأصفهاني، ونجحوا في تنظيم المؤتمر في كربلاء،حضره زعماء عشائر الفرات الأوسط ووجهاء المدن العراقية.
اتفق المشاركون في المؤتمر على وضع خطة للتصدي للاعتداءات الوهابية وضمان أمن البلاد، وتم إرسال برقية إلى الشيخ مهدي الخالصي في الكاظمية، مذيلة بتوقيع السيد أبو الحسن الأصفهاني والميرزا حسين النائيني، تحثه على دعم هذا الجهد، استجاب الشيخ الخالصي على الفور، وأرسل 150 برقية إلى رؤساء العشائر القاطنة على ضفاف دجلة والفرات وديالى، يدعوهم فيها للحضور إلى كربلاء في اليوم العاشر من شهر شعبان، كما أُرسلت برقية إلى الملك فيصل الأول، الذي أعرب عن تأييده الكامل لما يقوم به العلماء وزعماء العشائر، وأثنى على جهودهم.
بتوجيه من الشيخ الخالصي، تشكلت لجنة للإشراف على أعمال المؤتمر وتنظيمها، ضمت في عضويتها شخصيات بارزة مثل السيد نور الياسري وعلوان الياسري، أعدت اللجنة برنامج عمل متكاملاً، تضمن ثلاث عشرة مادة، وتم طباعته في إحدى مطابع بغداد.
في صباح الثالث عشر من أبريل عام 1922م، انعقد اجتماع عام في كربلاء المقدسة، وتحديداً في دار السيد الحائري، حضر الاجتماع علماء الدين، وزعماء عشائر وسط وجنوب العراق، وشيوخ من بعقوبة وسامراء، بالإضافة إلى وجهاء المدن، كما حضر الاجتماع ممثل عن الملك فيصل الأول ورجال الحركة الوطنية، ومن أبرزهم السيد علوان الياسري والشيخ عبد الواحد الحاج سكر، بلغ عدد الحاضرين أكثر من ألفي شخصية.
تمخض المؤتمر عن عدة قرارات رئيسية، أهمها:
رغم أن المؤتمر كان يُظهر أهدافه في التصدي للاعتداءات الوهابية، إلا أن المندوب السامي البريطاني، بيرسي كوكس، كان يعتقد أن للمؤتمر أهدافاً خفية، أبرزها دعم موقف الملك فيصل الأول في مفاوضات معاهدة عام 1922م،لهذا السبب، بذل كوكس جهداً كبيراً لمنع الملك فيصل من حضور المؤتمر، لكن الملك أرسل برقية إلى المجتمعين عبّر فيها عن سعادته بالنتائج التي توصلوا إليها، وتمنى لهم التوفيق في حماية حدود الوطن.
كان لمؤتمر كربلاء دور محوري في تعزيز الوحدة الوطنية وتنسيق الجهود بين مختلف الأطياف العراقية لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية، الدور الفاعل لزعماء المشخاب، مثل الشيخ عبد الواحد الحاج سكر وعلوان الياسري، وعضويتهم في اللجنة التحضيرية التي صاغت القرارات الختامية، يعكس مكانتهم المهمة بين الأوساط الدينية والعشائرية والسياسية، ودورهم البارز في حماية أمن العراق وسلامته خلال تلك الفترة الحرجة.
المصدر
مجلة العقيدة، العدد السادس، السنة الثانية، موقف الحوزة الدينية من الغزوات الوهابية، عبدالعال وحيد العيساوي، ص (425 – 432)