في خضم التحولات السياسية التي أعقبت تأسيس المملكة العراقية عام 1921، شهدت محافظة كربلاء المقدسة، واحدة من أبرز التغيّرات الإدارية والجغرافية في تاريخها الحديث، حيث تحولت من "سنجق" تابع لولاية بغداد في أواخر العهد العثماني، إلى "لواء" مستقل ضمن نظام الدولة الملكية، ثم تعرضت لتغييرات حادة في المساحة والحدود، كانت لها تداعيات محلية وإقليمية.
وبحسب المادة الثانية من القانون الأساسي للمملكة العراقية، فإن العراق كيان مستقل موحّد ذو نظام ملكي وراثي، تتوزع فيه السلطات على ثلاثة أركان: التشريعية، التنفيذية، والقضائية، تديرها مؤسسات الدولة الحديثة مثل مجلس الوزراء والمجالس المحلية والإدارية.
ووفقاً لقوانين إدارة الألوية الصادرة في سنوات لاحقة، وخصوصاً في عام 1927 ثم القانون المعدّل رقم 16 لسنة 1945، تم تقسيم العراق إلى أربعة عشر لواءً، كان لواء كربلاء أحدها، والذي يدار من قبل متصرف في المركز، وقائمقام في القضاء، ومدير في الناحية، ومختار في القرى.
هذا وقد بلغت مساحة لواء كربلاء عند تأسيسه نحو (21,200 كم²)، يضم مدينة كربلاء كمركز، وقضاءً واحداً، وثلاث نواحي، وكان يمتد باتجاه البادية الجنوبية ليجاور أجزاء واسعة من أراضي ما يعرف اليوم بالمملكة العربية السعودية، ما منحه أهمية استراتيجية واضحة في خارطة العراق الإدارية والسياسية.
في عام 1936م، بدأت أولى عمليات الاستقطاع من لواء كربلاء، حين تم ضم الجزء الغربي من البادية الجنوبية إلى تشكيلات إدارية جديدة، وهذه العملية قلّصت مساحة اللواء إلى (6,605 كم²)، لتفقد المحافظة بذلك نحو (14,595 كم²)، وهو ما يعادل أكثر من ثلثي مساحتها الأصلية.
وحتى عام 1957م، أظهرت الإحصاءات أن مساحة اللواء استقرت عند (6,060 كم²)، في حين أُلحقت الأراضي المقتطعة من كربلاء بلوائيّ الدليم (الرمادي) والموصل لتشكيل ثلاث مناطق بادية جديدة هي الجزيرة، والبادية الشمالية، والبادية الجنوبية.
ورغم محاولات تنظيم الإدارة المحلية من خلال تأسيس مجالس إدارية في كل لواء، مثل مجلس الإدارة ومجلس اللواء العام، فإن الأخير لم يتمكن من أداء أدواره المخططة، وبقيت صلاحياته شكلية دون تطبيق فعلي.
يُعد هذا الفصل من التاريخ الإداري لكربلاء شاهداً على تداخل الجغرافيا بالسياسة، وعلى حجم التحديات التي واجهت المحافظات العراقية في رسم حدودها الإدارية خلال مرحلة بناء الدولة الحديثة، كما يقدم قراءة معمقة لفهم كيف أثّرت هذه التحولات في حاضر كربلاء الإداري والجغرافي.
المصدر: مركز كربلاء للدراسات والبحوث، موسوعة كربلاء الحضارية الشَامِلَةُ، المحور الجغرافي، 2017، ج1، ص58-60.