نشرت "موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة" والصادرة عن مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، دراسةً تفصيلية كشفت من خلالها عن معلومات مهمة حول الواقع الجغرافي لمدينة سيد الشهداء "عليه السلام".
وبيّنت الموسوعة في محورها الجغرافي أن "المنطقة الوسطى من العراق قد عرفت قديماً ببلاد بابل والتي تمتد الى المناطق الجنوبية منه وإمتازت هذه المنطقة تحديداً بظروف جغرافية تؤهلها للاستيطان المبكر من قبل الإنسان، وهنا يمكن ايجاز أبرز هذه الظروف المكانية التي جعلت من المنطقة قادرة على إضفاء مظاهر الحياة الإنسانية منذ القدم".
وجاء في المبحث الأول من الدراسة والخاص بمظاهر السطح، أن "سطح العراق ينحدر بشكل عام إنحداراً تدريجياً من الشمال إلى الجنوب وقد لا يكون هذا الانحدار ملحوظا في الغالب لعدم وجود المرتفعات من التلال والجبال العالية سوى بعض الارتفاعات البسيطة التي لا يعدو كونها مناطق شبه تلالية جعلت من عموم المنطقة يسودها الانبساط بشكل عام، وهذا الانبساط في مستوى السطح سهّل عملية الاتصال بين جهاتها المختلفة، وبدوره لا يعني عدم وجود اختلافات مكانية في مظاهر سطح عموم المنطقة فهي تشهد تداخلاً طبيعياً كبيراً بين تكوينات السهل الرسوبي والهضبة الغربية، مما أثّر بشكل كبير على نوعية الترب السائدة في نطاق المنطقتين ويتخلل طبوغرافية المنطقة، الوديان المنتشرة في الجهة الغربية من منطقة الهضبة التي تغدو مناطق تجمع المياه وجريانها خلال مواسم الإمطار والفيضانات والتي يعدّ أبرزها (وادي الضائع)، و(حوران)، و(وادي الأبيض)، و(وادي الغدف) فضلاً عن إنتشار بعض العيون مثل (عين التمر) غربي كربلاء المقدسة، و(عين حمود) وغيرهما".
وتابعت الدراسة أنه "يبدو أن سكنة المنطقة قديماً قد تنبهوا إلى هذه الخصيصة الجغرافية المتميزة، فقد تم استثمارها لمظاهر السطح في المنطقة بشكل واضح من خلال إنتشار مراكز الاستيطان على مختلف جهاتها وربوعها إبتداءً من منطقة أعالي الفرات والحدود العراقية السورية حالياً وجنوباً حتى (هور الحمّار)، فإن إنبساط السطح وقلة تضاريسه ساهم في بناء خريطة حضرية متميزة في العراق بشكل عام ولسكان المنطقة بشكل خاص، فيما شكّلت بيئة السهل الرسوبي الممتد على جهات مختلفة من المنطقة الغالبة في صفة الاستواء من جانب، واحتضانها لمجرى نهري دجلة والفرات وما رافقهما من تطور لحرفة الزراعة وتدجين الحيوانات من جانب أخر، قد ساعد في توفّر مناخات مؤاتية للإستقرار".
وتشير موسوعة كربلاء الى أن "مظاهر السطح في موضع كربلاء المقدسة لا تخلف عن بقية مناطق الفرات الأوسط، ومن قراءة لخارطة تضاريسها، يتّضح أن أجزاء كبيرة من المنطقة تشغل إقليم السهل الرسوبي الذي يمتاز بأرضه السهلية المنبسطة والقليلة الانحدارات، إذ تقع ضمن هذا الإقليم الجهات الشرقية والجنوبية الشرقية وبعض الجهات الشمالية الشرقية، أما الأجزاء الغربية والشمالية الغربية والجنوبية الغربية منها، فهي تقع ضمن منطقة الهضبة الغربية وهي بذلك تمثل ملتقى التلاحم بين الإقليمين الطبيعيين واللذين رسما شخصيتها الطبيعية حتى الوقت الحاضر".
المصدر:- موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، المحور الجغرافي، الجزء الثاني، أحد منشورات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2017، ص 14-15.