تعتبر كربلاء رمزاً حياً للتاريخ والنضال شامخة بإرثها العريق الذي يروي حكايات البطولة والنضال، ويعكس روحها العشائرية الثائرة التي أبت أن تخضع لأي نفوذ أجنبي على مر العصور، بين أروقة هذه المدينة العريقة، كانت الدواوين ملاذًا للأدباء والشعراء، منارات للفكر والتعبير، ومنابر للحوار الوطني والسياسي، هنا، لم تكن الكلمات مجرد حروف، بل كانت أسلحة تُذكي روح الثورة وتنير دروب الحرية.
في تلك الدواوين، اجتمع الشعراء والمفكرون، متبارين في نظم الشعر، عاكسين في مساجلاتهم صفاء الفكر وعمق العاطفة، إلى جانب إيمانهم الديني الراسخ ووعيهم السياسي الحاد، كانت هذه المجالس بمثابة نبض المدينة، حيث تشكّلت ملامح الوعي الوطني الذي أرعب الخصوم ووقف سداً منيعاً أمام كل معتدٍ إذ لطالما كانت كربلاء مربض الأسود وقلعة الثوار وموطن الأحرار، حيث صاغت تاريخاً مجيداً لا يزال حاضراً في وجدان أبنائها.
ومن بين الدواوين التي تركت بصمة لا تُمحى في ذاكرة كربلاء هي:
1-ديوان السادة الاجلاء آل الشهرستاني ،وهو واحد من أعرق هذه الدواوين ، يعود تاريخ هذا الديوان إلى عهد آية الله العظمى السيد محمد الشهرستاني، أحد أبرز رجالات كربلاء، تتصل عائلة الشهرستاني بنسبها الشريف بإبراهيم المرتضى الأصغر بن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، رغم هجرتهم إلى إيران في عهد الصفويين خلال القرن العاشر الهجري، إلا أنهم عادوا إلى موطن أجدادهم في القرن الثاني عشر الهجري، ومنذ ذلك الحين، ظل ديوانهم مفتوحاً، يشعّ بالأصالة ويجمع الفضلاء والوجهاء من مختلف أطياف المجتمع،في ديوان آل الشهرستاني، تُستعاد ذكريات المجالس الأدبية التي كانت تزخر بالإبداع والنقاشات العميقة، لم يكن هذا الديوان مجرد مكان للاجتماعات، بل كان شاهداً على قوة كربلاء الثقافية والاجتماعية، ورمزًا حياً لعروبة المدينة وأصالتها وكان موقعه في بداية شارع السدرة.
2-ديوان الزعيم الديني السيد كاظم الرشتي، الذي كان منتدى للأدباء والشعراء، يُعدّ بمثابة "سوق عكاظ" لما كان يحمله من أهمية دينية وسياسية،ولايزال هذا الديوان قائماً وموقعه في زقاق يتفرع من شارع السدرة الى سوق الامام الحسين(عليه السلام).
3-ديوان السادة آل ثابت، الذين تولّى العديد منهم نقابة الحائر وسدانته، وتميّزوا بدورهم البارز في الحوادث السياسية التي شكّلت تاريخ كربلاء،وكان موقعه في محلة باب الطاق قرب الجلوخان والان اصبح اثر بعد عين وقد شيد بديلاً عنه في شارع المحيط.
4-ديوان المرحوم السيد محمد مهدي بحر العلوم، أحد الشخصيات السياسية البارزة، الذي تقلّد وزارة المعارف والصحة في عام 1920م،وهو والد السيد محمد صالح بحر العلوم الذي كان نائباً عن كربلاء في أواخر العهد الملكي، مما عزز مكانة العائلة في المشهد السياسي.
5-ديوان المرحوم السيد أحمد الوهاب آل السيد يوسف، الذي يُعدّ من الدواوين ذات التأثير البارز في الحياة الكربلائية.
6-ديوان السيد صالح السيد سليمان آل طعمة، وهو من أبرز شخصيات كربلاء، الذي التقى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مرتين في إسطنبول وحظي بتكريم كبير، حيث قلده السلطان ثلاثة أوسمة شرف وعيّنه والياً فخرياً على كربلاء،ومن أبرز مآثره تدخله لإنقاذ 120 شخصاً من أهالي قفقاس دخلوا العراق بطرق غير شرعية وحُكم عليهم بالإعدام، حيث نجح عبر وساطته مع السلطان في إطلاق سراحهم.
7-ديوان المرحوم السيد حسين الدَّده، الذي كان أحد أبرز قادة ثورة العشرين وممثلًا لكربلاء في البرلمان في العهد الملكي.
8-ديوان السادة آل النقيب، الذين تولّى العديد منهم نقابة الحائر، وكان جدهم السيد محمد الدراج نقيب أطباء العراق، وموقعه كان مقابل باب القبلة الحسيني ونتيجة التوسع اصبح اثر بعد عين ،وما زال ديوانهم مفتوحإً الى اليوم في شارع باب الحسين.
9-ديوان السيد مرتضى آل ضياء الدين، الذي كان سادن الروضة العباسية وأحد أبرز الشخصيات في المدينة وموقعه في محلة باب بغداد.
10-ديوان المرحوم السيد عبد الوهاب آل طعمة، الذي ترك أثراً بالغاً في الحياة الكربلائية.
11-ديوان المرحوم السيد عبد الحسين الأعيان آل طعمة، الذي لعب دورا محوريا في المشهد السياسي والاجتماعي للمدينة.
12-ديوان السيد مصطفى السيد هاشم الشروفي، نائب سادن الروضة الحسينية وأحد كبار شخصيات كربلاء.
13-ديوان آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي، زعيم الثورة العراقية، الذي قاد الحركة الوطنية في لحظة مفصلية من تاريخ العراق.
14-ديوان آل كمونة ،وهم من قبيلة بني اسد العربية العريقة ومن ابرز رجالات هذا البيت الشيخ محمد علي كمونة والشيخ محسن كمونة وميرزا مهدي كمونة سادن الروضة الحسينية في القرن الثالث عشر الهجري ،وقد شهد هذا الديوان ندوات الشعر والادب الى جانب الحركات السياسية،وموقعه كان في سوق الزينبية ونتيجة التوسع انتقل موقعه الى خلف المخيم الحسيني حالياً.
15-ديوان المرحوم الحاج محمد رشيد الجلبي الصافي ،وهم من العرب الاقحاح انجب بيتهم شخصيات لامعة منهم الحاج محسن الصافي الجلبي والأستاذ جعفر الصافي الجلبي،وكان المرحوم محمد رشيد رئيس بلدية كربلاء وموقعه كان في شارع العباس.
16-ديوان آل عواد،العشيرة العربية المعروفة التي لعبت أدوارا مهمة في حركات كربلاء السياسية بوجود زعمائها الوطنيين الاشاوس سواء في حادثة المناخور أو في ثورة العشرين وموقعه كان في باب بغداد.
17-ديوان عشيرة بني سعد وكان رئيسها المرحوم علوان جار الله ،كان موقعه في محلة باب الطاق والان في قضاء الحر.
18-ديوان عشيرة الوزون العربية برئاسة عمر العلوان وشقيقه عثمان وكانا من قادة ثورة العشرين.
19-ديوان المرحوم الحاج حسن الشهيب وموقعه كان في محلة باب السلالمة زقاق الجاجين
20-ديوان الزعيم السياسي والشاعر الشيخ عبد المهدي الحافظ.
21-ديوان عشيرة النصاروة وكان رئيسها طليفح الحسون احد قادة ثورة العشرين.
كربلاء، بأصالتها وإرثها الثقافي العريق، كانت ولا تزال منارة للإبداع والفكر، حيث لعبت دواوينها دوراً جوهرياً في الحياة الأدبية والسياسية والاجتماعية، تلك الدواوين لم تكن مجرد أماكن تجمع، بل كانت محطات لصياغة الوعي الوطني والاجتماعي، ومراكز للحوار والبحث عن الحقيقة، وشاهدة على مرحلة غنية بالتحديات والإنجازات.
ما تم ذكره من دواوين هو جزء من لوحة أوسع تحمل بين طياتها العديد من المجالس التي أثرت المشهد الكربلائي، هذه الدواوين، بمساهماتها المختلفة، تعكس هوية المدينة وعراقتها، وتبرز دورها في تشكيل ملامح تاريخ العراق الثقافي والسياسي.
راجع____
السيد صادق آل طعمة،الحركة الأدبية المعاصرة في كربلاء ،قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية المقدسة، ط2 ،2014 ،ص33