بقلم (حسين الصدر)
لا نذيع سراً إذا قلنا انّ "كوفيد 19" قد أصبح منعطفاً لمرحلتين في تاريخ العالم، ذلك أنَّ مرحلة ما بعد كورونا أصبحت مختلفة تماماً عما سبقها، وتجلّى الاختلاف في انهيار الكثير من المعادلات والمواضعات، لا في الجانب الصحي فحسب بل في الجانب الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ايضاً.
لأول مرة يُكلّم الطبيب في بريطانيا، المريض الذي يراجعه عبر الهاتف ولا يقوم بفحصه. !!
ولأول مرة في تاريخ العالم تنهار حركة الطيران وتعلن الكثير من شركات الطيران العظمى افلاسها، وتعمد الكثير من الشركات العملاقة الى تسريح الآلاف من العاملين فيها.
وحين فُرض حظرُ التجول وحظر الاجتماعات واللقاءات، شلّت حركة الناس وتعطلت المعاهد والمدارس والمحافل والمنتديات، وهكذا امتدت يد الكورونا الى سائر القطاعات لترسم لها خارطة جديدة.
ان المعادلة الوحيدة التي لم تستطع "كورونا" أنْ تقترب منها فضلاً عن تغييرها، هي معادلة العشق الحسيني، وها هي الحشود الكبرى من المشاة تتجه سيراً على الأقدام نحو كربلاء لتحظى بشرف زيارة الامام الحسين "عليه السلام" في ذكرى الأربعين.
ان الحشود السائرة نحو كربلاء مشياً على الاقدام تعتبر أضخم وأعظم المسيرات في تاريخ العالم كله، حيث لم يشهد العالم لا في ماضيه البعيد، ولا في حاضره القريب، مسيرة يمكن أنْ تُقارن بهذه المسيرة.
انها تأتي بعد (1381) عاماً من استشهاد الامام الحسين "عليه السلام" لتقدّم الدليل الصارخ على أنَّ عشق الحسين يحوّل العاشقين -رجالاً ونساءً وأطفالاً -الى رموز فريدة لا في الولاء والمودة فحسب، بل في الصبر على العناء، ومشاق الطريق، ومواجهة التحديات الصعبة، فسلام عليك يا ابا الشهداء، يا من زرعت حبك في القلوب والعقول بما قدّمت من دماء وعطاء لوجه الله ولإنقاذ الانسانية المعذبة من براثن الظلم والاستبداد ورزقنا الله شرف الالتحاق بقوافل العشاق الحسينيين .