زار الكاتب عمانوئيل فتح الله مدينة كربلاء في بدايات شهر تشرين الأول سنة 1911م, وقد سطر ما شاهده اثناء زيارته للمدينة في مقال جاء بعنوان (سفرة الى كربلاء) نُشر في مجلة لغة العرب, جاء فيه: لقد سَرَنا منظر كربلاء فهي ذات شوارع واسعة فسيحة, تنيرها القناديل والمصابيح, وتجري فيها الرياح جريا مطلقا لا حائل يحول دونها, كالتعاريج الموجودة في ازقة بغداد, وباقي المدن, ويواصل الكاتب وصفه حيث يقول: وعند دخولنا المدينة نزلنا ضيوفا على احد تجار المدينة الذي اعد لنا منزلا فأقمنا فيه يومين, في الليلة الأولى خرجنا لمشاهدة المدينة فمررنا على عدة مقاهي حسنة الترتيب والتنسيق, وشاهدنا مساجد وتكايا بديعة البناء, وفنادق يأوي اليها عددا من الغرباء, وقصورا شاهقة, وانهارا جارية, واشجارا كثيفة, فوجدنا مدينة كربلاء من أمهات مدن العراق, اذ ان ثروتها واسعة, وتجارتها فائقة, وزراعتها متقدمة, وصناعتها مشهورة ورائجة, حتى ان صناع مدينة كربلاء فاقوا صناع بغداد خبرة ومهارة لاسيما في التطريز والنقش والحفر على المعادن والتصوير وحسن الصياغة, وتلبيس الخشب خشبا اثمن وانفس على اشكال ورسوم بديعة عربية وفارسية وهندية .
يستمر الكاتب فيعرج واصفا ما شاهده خارج المدينة, اذ يعلق على نهر الحسينية قائلا: ماءه عذب فرات ومنه يشرب الأهالي, الا ان المياه تشح في فصل الصيف, فيرتفع ثمن الماء, فتحرج بذلك الصدور, وتضيق النفوس, فيضطر اغلب الأهالي الى حفر الابار بحثا عن المياه العذبة, وان وجدت فهي دون ماء نهر الحسينية عذوبة, فتتفشى الامراض بين الأهالي كالحميات والامراض الوافدة, فعلى الحكومة ان تتدخل في إيجاد بعض الحلول لمعالجة مثل هكذا ازمات .
يعود الكاتب الى وصفه للمدينة, فيقول: " وفي كربلاء مستشفى عسكري, ودار حكومة (سراي), وثكنة للجند, وصيدلية وحمامات كثيرة, ودار برق وبريد وبلدية, وقيسريات عديدة, وفيها قنصلية إنكليزية والوكيل مسلم واغلب رعية الإنكليز من الهنود, وفيها قنصل روسي وهو مسلم أيضا من القوقاف (القوقاز), وهيئة كربلاء الجديدة ترتقي الى مدحت باشا الشهير " .
قدر الكاتب عدد سكان مدينة كربلاء وقتذاك سنة 1911م بنحو مائة وخمسة الاف نسمة (105,000), منهم 25 الف من العثمانيين, و 60 الف من الإيرانيين وبعض الأجانب, و 20 الف من الغرباء الوافدين الى المدينة من الديار البعيدة, وفيها عددا قليل من اليهود, اما النصارى فلا وجود لهم في المدينة, وأشار الكاتب الى سبب توافد الناس الى كربلاء هو زيارة مرقد الامام الحسين عليه السلام والشهداء من اهل بيته واصحابه سلام الله عليهم اجمعين, ثم يعرج واصفا البناء على الضريح الشريف, فيقول: " والحسين (عليه السلام) مدفون في جامع فاخر حسن البناء فيه ثلاث مآذن وقبتان كلها مبنية بالآجر القاشاني ومغشاة بصفيحة من الذهب الإبريز, وهناك أيضا ساعتان كبيرتان دقاقتان, وكل ساعة مبنية على برج شاهق " , ثم يصف مرقد الامام العباس عليه السلام " وفيه مئذنتان وقبتان وساعتان كبيرتان على الصورة المتقدم ذكرها ووصفها " .
وقد قدم عرضا لطبيعة أسواق المدينة, والسلع المتواجدة فيها, فقال: ان ما يباع في الأسواق بديع الصنع, واغلب البضائع تشابه البضائع الإيرانية لاسيما الطوس الصغيرة والكبيرة المصنوعة من النحاس, وهناك سلعة لا تراها الا في كربلاء والأماكن المقدسة وهي (الترب) المصنوعة من الطين الكربلائي, وهي على اشكال منها الشكل المدور والمربع والمستطيل وغير ذلك من الاشكال ليصلى عليها, ويكثر في أسواق كربلاء أنواع الأحذية, فضلا عن وجود الزعفران الفاخر الخالص من الشوائب, بحيث لا تجد مثله في بغداد .
ويختم الكاتب مقالته عن مدينة كربلاء بذكر تقسيماتها الإدارية, فيذكر انها تقسم الى ثلاثة اقضية, هي: مركز قضاء كربلاء, والهندية, والنجف, وتوزع على سبع نواحي, ثلاث منها في مركز القضاء, وهن: المسيب والرحالية وشفاثة, وثلاث في النجف, وهن: الكوفة والرحبة والتاجية, وواحدة في الهندية وهي الكفل .
المصدر: (1) مجلة لغة العرب العراقية, (بغداد: مطبعة الآداب, وزارة الاعلام, مديرية الثقافة العامة), ج 1, ص 155 – 159 . (2) القريشي, صباح مهدي رميض, كربلاء وتوابعها في تقارير مجلة لغة العرب واخبارها (1911 – 1931), مجلة تراث كربلاء, العتبة العباسية المقدسة, العدد 2, 2016, مج 2, ص 255 – 257 .