ان الدين فضلاً عن الحقائق الثلاث الكبرى التي ينبئ عنها -من وجود الله سبحانه. ورسالته الى الانسان. وبقاء الإنسان بعد هذه الحياة، وهي القضايا الأهم في حياة الإنسان على الإطلاق-يتضمن بطبيعة الحال جملة من التعاليم التي ينصح بها في ضوء تلك الحقائق مع اخذ الشؤون العامة لحياة الانسان بنظر الاعتبار. وحينئذٍ يقع التساؤل عن اتجاه هذه التعاليم، ورؤيتها للجوانب الإنسانية العامة، ومقدار مؤونة مراعاتها او معونتها للإنسان.
أما الجانب الأول من نفع الدين للعلم فإن الدين نافع له من وجهين.
(الوجه الأول): عنايته بتحفيز العقلانية العامة في الإنسان؛ حيث إن الدين – كما نلاحظ من خلال القرآن الكريم -يعتمد على المنطق الفكري الصافي والسليم ويحاجج به؛ فهو يلقن المرء الاعتماد على البرهان والحجة المقنعة للعقل، ويوجهه إلى التأمل في الكائنات والأشياء، ونبذ الخرافات التي لا برهان عليها، ويشق إلى أدوات العلم من الملاحظة والاستقراء والتفكير.
وهذا الأمر من شأنه -بطبيعة الحال -أن يؤدي إلى تقوية المنطق العلمي وتقدم العلم في الحقول المختلفة. وقد وقع ذلك بالفعل، حيث لوحظ ما تحقق بفضل الإسلام -وما تضمنه من توجيه إلى العقل والمعرفة -من النهضة العلمية في المجتمع العربي والإسلامي، حتى صار الرائد في العلوم في وقت كانت البلاد الأوربية تعاني انحطاطة علمية. ويكفي في الوقوف على أبعاد هذه النهضة ملاحظة التفاوت في حال المجتمع العربي قبل الإسلام وبعده في مستويات العلم والمعرفة والفلسفة والقانون وما إلى ذلك.
المصدر/ اتجاه الدين في مناحي الحياة، محمد باقر السيستاني، ص38.