إشتهرت مدينة كربلاء المقدسة وعلى إمتداد تاريخها المبارك، بكونها من أعظم مدن الأرض في حقول العلم والأدب والحضارة، فيما لم يكن جانبها الإجتماعي والعشائري بأقل من نظيراته هذه، حيث كان لهذه البقعة الطاهرة نصيبها من الأمثال الشعبية التي إنتشرت في ربوع العراق الحبيب لما لها من شكل واضح المعالم والصياغة، قوي المدى والتأثير.
وكان من بين هذه الأمثال التي وثّقها مركز كربلاء للدراسات والبحوث بالعتبة الحسينية المقدسة ضمن موسوعته الحضارية الشاملة، هو المثل الشعبي الدارج "چنة زرقاء اليمامة " أي بمعنى "أبْصَر من زَرْقَاء اليمامة" ويشير الى إمرأة من قبيلة جديس - يعني زرقاء - وكانت تبصر الشيء من مسيرة ثلاثة أيام، واليمامة بلاد كان اسمها "الجو" ، فسميت بإسم هذه الجارية لكثرة ما أضيف إليها، وقيل: "جو اليمامة".
ولما قتل جديس طمساً، خرج رجل من طسم الى حسان بن نبع فاستجاشه ورغّبه في الغنائم، فجهز إليهم جيشاً، فلما صاروا من "جوّ" على مسيرة ثلاث ليال، صعدت "الزرقاء" فنظرت إلى الجيش وقد أمروا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبسوا عليها، فقالت: يا قوم أتتكم الشجر، أو أتتكم حمير، فلم يصدّقوها، ولم يستعدّوا حتى صبحهم "حسان" فإجتاحهم، فأخذ الزرقاء فشق ّ عينيها، فإذا فيهما عروق سود من "الأثمد"، وكانت أول من اكتحل بالأثمد من العرب، وهي التي ذكرها النابغة بقوله:
وأحكم كحكم فتاة الحي إذ نظر الى حمام ســـــراع وارد الثّمــــــد
ويضرب هذا المثل في حدّة البصر، والرؤية من مسافات بعيدة.
المصدر:- موسوعة كربلاء الحضارية الشاملة، المحور الإجتماعي، الجزء الثاني، أحد منشورات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، 2019، ص 277.