استقبل الكربلائيون الاتحاديين وثورتهم في العام 1908م بالتأييد والمؤازرة، لا سيما النخبة المثقفة فيها من تفاعلوا ايجاباً مع أحداث الثورة الدستورية في إيران، انطلاقاً من احساسهم بالغبن من السياسة التي اتبعتها الدولة العثمانية في مدينتهم، واقتناعاً بان المساوئ التي عانوا منها بالإمكان علاجها بصورة أفضل بالتنسيق مع صناع القرار الجدد، وسارع العديد من زعماء المدينة إلى الترحيب بالثورة وبإعادة العمل بالدستور على أمل أن يأتي لهم ذلك بالمساواة مع الحكام السنة، ويضع حلاً لواقعهم السياسي بما يوفر لهم مجالاً للتمثيل في مؤسسات الدولة.
وفي غمرة الحماس للثورة، وخلال الأيام القليلة التي اعقبتها تأسس فرع لجمعية الاتحاد والترقي في كربلاء انضم اليه الكثير من وجهائها، كان من بينهم الشيخ حسن الشبلي والشاعر عبد المهدي الحافظ وكاظم أبو اذان.
وزاد من الآمال التي صاحبت الأشهر الأولى للثورة قيام الدولة بالعديد من الاعمال الاصلاحية، والاهتمام بتطوير المدينة وتعمير اسواقها، حتى وان تحمل أهالي كربلاء الجزء الأعظم من تكاليف تلك الأعمال وتضاعفت الضرائب المفروضة عليهم من جرائها.
وابدى بعض الكربلائيين حماسة للمشاركة في الحياة السياسية في عهد الاتحاديين، من بين أبرز مؤشراتها انتخاب الشيخ عبد المهدي الحافظ ممثلاً عن أهالي كربلاء في الانتخابات الأولى لمجلس المبعوثان العثماني بعد ثورة 1908م.
رغم خيبة الأمل من سياسة الاتحاديين المفرطة في المركزية ضمن جهدهم في تطبيق مفهوم الحديث للدولة، واصل اهالي كربلاء تفاعلهم الايجابي مع الحكومة العثمانية، وخصوصاً في قضايا الدولة المصيرية، فخلال المواجهة العثمانية الايطالية في حرب طرابلس الغرب عام 1911م، والتي انتهت باحتلال ايطاليا لليبيا، قام أهالي كربلاء بتنظيم مظاهرات لدعم الدولة، القيت خلالها الخطب الحماسية ودعا الخطباء لنبذ الخلافات وتوحيد الصفوف، كما جرت في كربلاء حملات لجمع التبرعات لإعانة الحكومة في الحرب بلغت اكثر من اربعمائة ليرة عثمانية.
وخلال حروب البلقان في العام 1912م بادر ابناء كربلاء إلى التجمع في صحن الامام الحسين (عليه السلام)، القى فيه عبد المهدي الحافظ قصيدة الحب فيها حماس المجتمعين وحثهم على الجهاد ضد من اعتدى على الدولة العثمانية، وصار صحن الامام الحسين موقعا لأكثر من تظاهرة منددة بكل من اعتدى على ممتلكات وحدود الدولة العثمانية.
لم تمنع تلك المواقف اهالي كربلاء من التعبير عن امتعاضهم من الكثير من الممارسات الحكومية والسياسة التعسفية التي اتبعها معظم ولاة بغداد ومتصرفي كربلاء ضد سكان المدينة، متحينين اي فرصة او مناسبة.
ونقلت المس بیل شكاوى اهالي كربلاء من متصرف مدينتهم في العهد الاتحادي بان (له قصص غير مشرفة لسمعته، وذات تأثير سيئ على مقدرته في العمل في المدينة) ووصفهم للإجراءات الحكومية بال (الجور الاعمى)، وخيبة أملهم من حقيقة جدوى سياستها.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج2، ص188-190