جاء ترشيح فيصل ملكاً للعراق ليثير مشكلة بين مراجع الدين. إذ انقسموا بين معارض ومؤيد فقد عارض السيد ابو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني ترشيح فيصل او أي شخص آخر في ظل الانتداب، وكان هذا الرأي يحظى بشعبية واسعة، أما المؤيدون فمنهم السيد محمد الصدر، والشيخ مهدي الخالصي ودعموا تأييدهم بشرط سير فيصل بالحكم سيرة عادلة وان يكون الحكم دستورية نيابية وان لا يتقيد العراق بأية قوة اجنبية. فمن الطبيعي أن ينعكس هذا الاختلاف على مقلديهم، ورغم ذلك تم تنصيب فيصل ملكا للعراق.
سعت الدولة الجديدة إلى إستكمال مؤسساتها ومنها التشريعية، لذلك قرر مجلس الوزراء في 22 تشرين الاول 1922م اجراء انتخابات المجلس التأسيسي ابتداء من 24 تشرين الاول 1922م، وخولت عبد المحسن السعدون، بتنفيذ هذا الامر مع ادراكنا أن المجلس يمثل بداية لمرحلة جديدة في العلاقات العراقية البريطانية لأن المعاهدة المنشودة بينهما تنتظر التصديق من قبل المجلس كي تصبح سارية المفعول.
إزاء هذه التطورات السياسية، وقف أبناء مدينة كربلاء المقدسة موقف الرفض على المعاهدة كذلك وقفوا موقفاً مناهضاً من انتخابات المجلس التأسيسي العراقي عندما أصدرت حكومة عبد الرحمن النقيب إرادة ملكية في 19 تشرين الثاني1922م تقضي الشروع بانتخاب هذا المجلس الذي كان من أولى مهامه هو التصديق على هذه المعاهدة المشئومة، فأدركت المرجعية معطيات المرحلة وسعت لاستثمار الظروف من خلال اصدارها بياناً وقعه كبار المجتهدين وهم السيد ابو الحسن الأصفهاني والميرزا محمد حسين النائيني والشيخ محمد مهدي الخالصي تضمن النقاط الآتية:
إطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات - سحب المستشارين البريطانيين من الالوية - اعادة المنفيين السياسيين الى البلاد - السياح بتأليف الجمعيات والاحزاب السياسية، وبعكس ذلك تتم مقاطعة الانتخابات.
أن المطالب التي عرضت لم تلق استجابة، لذلك أصدر الخالصي والاصفهاني والنائيني، فتاوی تعلن عدم شرعية اشتراك المسلمين في الانتخابات وبتكفير من يعصون حكم المراجع، كما حرموا الانخراط في الحكومة والمساهمة في نشاطاتها ومشاريعها السياسية. ويبدو أن هدف المراجع هو عزل الحكومة عن المجتمع مما يؤثر کرد فعل سلبا في تمثيل الشعب فيها.
فأخذت الحكومة تسير نحو تمرير المعاهدة الاستعمارية بأية صورة وضد إرادة الشعب، لذلك أصدر الشيخ مهدي الخالصي وقيادات الحركة الاسلامية المتمثلة بعلماء الدين في كربلاء والنجف بتاريخ 8 تشرين الثاني 1922م البيان الآتي: لقد أقيمت الانتخابات بأساليب غير مرغوب فيها بقوة السلاح البريطاني بعد فرض الحظر بالقوة على الحزبين السياسيين اللذين كانا يعبران عن مطالب الأمة (الحزب الوطني وحزب النهضة) وإبعاد الزعماء الوطنيين إن المساهمة في الانتخابات أو أية عملية تماثلها مما قد يعرض ازدهار العراق في المستقبل للخطر فحكمه حرام بموجب الشرع الإسلامي والقرار الإجماعي للمسلمين".
وقد تمثل الموقف الكربلائي الرافض بالمسيرات والمجالس والخطب الحماسية الرافضة للأساليب التي تنتهجها الحكومة، فضلا عن العديد من البرقيات التي بعث بها زعماء العشائر ومثقفو المدينة والتي كانت تتسم بالقسوة والرفض القاطع، بالإضافة إلى استعدادهم الدائم لمواجهة أساليب الحكومة التي اعتلاها "عبد المحسن السعدون" بوزارته الاولى. كما وكان للحركة الاسلامية بقيادة رجال الدين في كربلاء الموقف الرافض لها والمساند لأبناء المدينة بعد أن ابرقوا العديد من البرقيات الاحتجاجية إلى الحكومة. والأصعب من ذلك أن اللجان الانتخابية في كربلاء المقدسة استجابت الإمر رجال الدين وقدمت استقالتها.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج2 ص447-450