بعد قيام الامبراطورية المغولية في القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي واحتلالها المناطق واسعة من العالم لم تكن البلاد الاسلامية بمنأى عن خطرها إذ تمكن المغول من اسقاط الدولة الخوارزمية وأخذوا يتطلعون الاحتلال ما بعدها من أرض المشرق الإسلامي وبلغ الامر ذروته بعد استلام منكوقاآن حفيد جنكيز خان (649-657هـ / 1251-1259م) رابع أباطرة المغول العظام عرش الإمبراطورية المغولية الذي قرر احتلال كل البلاد الواقعة إلى الغرب من دولته، ولاسيما أراضي الخلافة العباسية وعاصمتها بغداد، وقد عهد بهذه المهمة الى أخيه الأوسط المسمى "هولاكو" لما عرف عنه من شدة البأس والصلابة في الحروب، ووضع تحت قيادته جيشاُ جراراً ساهمت به معظم القبائل المغولية الكبيرة زاد عدده عن مئتي ألف رجل، مزوداً بكل المستلزمات التي تتطلبها الحروب الصعبة والطويلة الأمد.
وعن وقائع خضوع مدينة كربلاء المقدسة للحكم المغولي، ذكرت المصادر معلومات تؤكد على أن هذه المدينة كانت قبيل وفي اثناء الاجتياح المغولي للعراق بقيادة هولاكو سنة (656هـ / 1258هـ)، تشكل جزءاً من وحدة إدارية واسعة تضم بالإضافة إلى كربلاء كل من الكوفة والحلة والسيب ومناطق أخرى حولها كان يطلق عليها الأعمال الحلية والكوفية.
استشعر سكان هذه المناطق في أثناء حصار الجيش المغولي شدة الخطر على حياتهم وأموالهم وخشوا ان يلحق الأذى بالمراقد الشريفة المقدسة في مدينتي النجف وكربلاء لاسيما بعد أن علموا أن صدر الاعمال الحلية والكوفية المعين من قبل الحاكم العباسي المستعصم بالله والمسمى شمس الدين سلار قد تخلى عن مسؤولياته وهرب في أثناء حصار بغداد الى مدينة تستر"، ومن هناك التجأ إلى دولة المماليك في بلاد الشام ومصر.
على أثر ذلك قرر قسم كبير من الناس النجاة بأنفسهم والنزوح عن مناطق سكناهم في كربلاء والحلة إلى منطقة البطائح التي تقع في جنوب البلاد. وفي هذا الشأن ذکر مؤرخ المغول رشيد الدين (ت ۷۱۸ / ۱۳۱۸ م) عن ذلك بقوله : ((... فقد نزحوا الى البطائح بأولادهم، وما قدروا على حمله من أموالهم)...)). وازاء الوضع البالغ الخطورة ارتأى أشراف ووجهاء هذه المنطقة ضرورة تجنيب الأهالي وأموالهم والمراقد الشريفة المقدسة من القتل والتدمير، لذلك قرروا إرسال وفد من أشراف العلويين والفقهاء الى قائد الحملة المغولية هولاكو، لإبلاغه بإستعدادهم القبول الطاعة والنزول على أوامره، إن وافق هو على حقن دمائهم وحفظ مقدساتهم وأموالهم، وقبل ذهابهم أليه أوصلوا رسالة الطاعة هذه بيد أحد الأعاجم الذي لم تشر المصادر إلى أسمه ومكانته أو إلى طبيعة علاقته بالمغول). وقد جاء الرد من هولاكو بالموافقة وأرسل لهم فرمانا بيد شخصيتين لا تشير المصادر إلى خلفيتها و كل ماذكرته عنهما كان لا يتجاوز إسميها اذ يقال لأحدهما ( فلكه)
وقد ورد نص آخر يذكر أن هولاكو قد كتب لهم عهداً يطيب فيه أهل هذه المنطقة ويهدئ من روعهم، والتعهد بالحفاظ على المشاهد المقدسة في مدينتي النجف وكربلاء وغيرها). وعلى أثر ذلك التعهد بالأمان من قبل قائد المغول شعر الأهالي في هذه المناطق الواسعة بالاطمئنان وعاد النازحون من البطائح إلى مدنهم.
وأضاف المؤرخ "رشيد الدين" أن هولاکو خان أرسل إلى هذه المنطقة الإدارية التي تقع ضمنها مدينة كربلاء المقدسة كلاً من الأمير بوکله والأمير بجلي النخجواني، وللتأكد من طاعتهم للمغول، طلب هولاكو من الأمير بوقاتيمور، وهو أحد أفراد الأسرة الجنكيز خانية البارزين بالتوجه إلى تلك المناطق للأشراف على إكمال المهمة، وقد شاهد بنفسه انهم لم يبدو ما يخالف تعهداتهم أمام قائد المغول هولاكو.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، التاريخ الإسلامي، ج1، ص177-184.