إزداد إنبهار المستشرقين الأوربيين بالشرق بعد الحروب الصليبية وإطّلاعهم على الكنوز العربية والإسلامية، فتوالت الرحلات الاستشراقية لدراسة الآثار والديانات ومن أبرز هذه الرحلات هي (الرحلة الشرقية) التي قام بها الراهب "فيليب الكرملي" إلى الشرق في عام (1039 هـ / 1629 م)، حيث زار الأراضي المقدسة وسوريا وإيران والهند والعراق.
زار "الكرملي" العراق عن طريق حلب وتجول في البصرة وبغداد وعانة والحلة وكربلاء قبل أن يسافر إلى إيران فدوّن مشاهداته بالتفصيل في هذه المدن وقد سميت رحلته بـ (الرحلة الشرقية) ونشرت باللاتينية عام (1649) وترجمت إلى الإيطالية والفرنسية.
يذكر الكرملي في رحلته إلى العراق أن الأوضاع السياسية والأمنية فيه كانت مضطربة بسبب تفاقم الصراع بين الصفويين والعثمانيين فيما كان الشمال العراقي يعيش الفوضى نتيجة العمليات العسكرية التي كان يقودها (السردار خسرو) التركي في حربه مع القائد الصفوي (زينل خان) وقد حاصر (السردار خسرو) بغداد ولكنه لم يستطع دخولها. وفي الحلة فقد جرت معارك عنيفة. وفي تلك الفترة قتل أمير الأناضول (داود باشا).
أما في كربلاء فقد كان أهلها ناقمين على العثمانيين بسبب سياستهم الجائرة والمستبدة والتي قامت على المعاملة اللاإنسانية وفرض الضرائب الباهظة على الأهالي وسوقهم إلى الحرب عنوة.
وصف "الكرملي" أهالي كربلاء بالطيبة والشجاعة وصادف وجوده في كربلاء وصول خبر سقوط "مسجد مكة"، فيصف أجواء الحزن والأسى والبكاء التي عمّت المدينة، ثم يصف أهالي كربلاء بشدة إيمانهم بالله وتمسكهم بالإسلام وحرصهم على إداء الفرائض وفي أثناء وجوده في كربلاء قرب حلول شهر رمضان فلاحظ إستعداد الأهالي لإداء فريضة الصوم فكانوا يبعثون أوانيهم إلى المُبيض لتبييضها ويجهزون بيوتهم بالمؤونة من سكر ورز وطحين وحبوب وغيرها.
ثم يصف الأجواء الروحية في استقبال هذا الشهر من خلال صوت المؤذن الذي كان يقرأ تلاوة الترحيب بشهر رمضان وشاهد الناس يستعدون لإستقباله بتلاوة القرآن الكريم.
والمستشرق "فيليب الكرملي" هو عالم لاهوت ورحالة وأسمه "إسبرت جوليان" ولد في مدينة "مالوسين" في فرنسا عام 1603م وتوفي في مدينة نابولي في إيطاليا عام 1671، درس في دير الكرملين في ليون وباريس والمعهد الديني في روما، واختير لمهمة "الرحلة الشرقية" كما أسماها إلى إيران من قبل الدير والتي زار فيها العراق، وقد تسلّم الكرملي عدة مناصب كنسية في حياته حتى أصبح رئيس الرهبنة الكرملية في روما مرتين في عامي 1665 و1668 وكان يتقن إضافة إلى الفرنسية، كل من الإيطالية، والأسبانية، والبرتغالية والفارسية، والعربية، وله مؤلفات دينية عديدة.
وقد ترجم رحلته عن اللاتينية الراهب "بطرس حداد" ونشرها في مجلة المورد (1989) العدد (4).
محمد طاهر الصفار