إلتقطت المس "بيل" صورةً لموقع الأخيضر من جهة الشمال الشرقي، قادمةً من "شثاثة"، ويعدّ هذا الشكل أول رؤية للمس "بيل" لهذا الموقع، حيث يظهر ظلّها في أسفل يمين الصورة.
قالت المس "بيل" عن هذا الموقع: "من بين جميع التجارب المذهلة التي صادفتها في طريقي، فإن نظرتي الأولى لقصر الأخيضر هي أشد ما يعلق في الذهن. أطلقت جدرانه الجبارة من الرمال، لم يمسها الزمن تقريباً، محطمةً بذلك الصفوف الطويلة من النفايات بأبراجه الضخمة، صامدةً وضخمة، وكأنها -كما إعتقدت في البداية- من عمل الطبيعة، لا من عمل البشر.
قُبيل دخولها الأخيضر، وجدت "مس بيل" أن القصر كان مأهولاً بمجموعة من العرب القادمين من منطقة "نجد"، والذين كانوا منزعجين من السياسات المتبّعة في تلك المنطقة، والراغبين في السعي الى تجارة أكثر نفعاً في الجمال والخيل داخل بلاد الرافدين الخاضعة للنفوذ العثماني.
كان أولئك العرب يستخدمون "الأخيضر" كقاعدة لهم، حيث إستقرت عوائلهم ضمن العديد من الغرف فيه، متيقنين بأن جدران هذا القصر هي أكثر من كافية كـ "مأوى" بالنسبة لهم ولإحتياجاتهم.
لم تنزعج "مس بيل" من سكن هذه المجموعة في القصر، بل أنه في الواقع، وحسب خيالها الاستشراقي، قد عززوا الجودة الرومانسية للمكان، وأعادوا طابعه القديم إلى الحياة.
تصف "مس بيل" شيخ منطقة الجوف "علي"، بأنه "مخلوق رائع بشعر أسود يتساقط في ضفائر على جانبي وجهه، والذي مرَّ مع إخوته كالأشباح على طول الممرات، وخلّفوا أرديتهم البيضاء أسفل السلالم.
في أكثر صورها غنائية، تصف "بيل" رجال القبائل العرب المجتمعين حول موقدهم في المساء في القاعة الكبرى للقصر:
"في الوقت الذي كان فيه أجدادهم يقضون الساعات بالحكايات والأغاني بلهجة (نجد) البليغة، تفرقعت الأشواك، ووضعوا زوجاً من فتيل الزيت في ثقوب فوق الأعمدة، والتي كان قد صنعها لهم رفاق السلاح سابقاً، حيث أرسلت شعاعاً ضعيفاً في الظلام".
وتضيف "بيل" قائلةً: "أحد أفرادهم، والذي كان يعزف على الربابة البدوية ذات الوتر الواحد، غنّى عن أمير عظيم وقوي، راعي للشعراء، وقائد للغارات، لكنه حوصر وقتل في ساحة المعركة مؤخراً؛ وسواء كانت الأغاني قديمة أو جديدة، إلا أنها كانت جميعها صفحات من نفس السجل، وهو السجل غير المؤرخ للبدو الرحّل".
إرتفعت الموسيقى الحزينة الرقيقة إلى سواد الأقبية عبر فتحة في نهاية القاعة، حيث سقط الجدار جزئياً، ولتنتشر في الليل الهادئ العميق وجمال النجوم الذي لا يتغير.
قدّمت "بيل" -التي كانت مسحورةً بالمشهد من حولها- بدورها مقطعاً شعرياً بخصوص الأخيضر، وهو إقتباس من الشاعر "لبيد بن ربيعة"، والذي كان بمثابة قول مأثور لكل عرش من عروش الملوك:
بلينا وما تبلى النجومُ الطَّوالِعُ وتَبْقَى الجِبالُ بَعْدَنَا والمَصانِعُ
المصدر / In Search of Kings and Conquerors, Gertrude Bell and the Archaeology of the Middle East - Lisa Cooper.