ولكي نخرج بفكرة واضحة عن مدى تأثير ثورة الحسين عليهالسلام في بعث روح الثورة في المجتمع الإسلامي ، يحسن بنا أن نلاحظ أنّ هذا المجتمع أخلد إلى السكون عشرين عاماً كاملة قبل ثورة الحسين عليهالسلام ، لم يقم خلالها بأيّ ثورة على توفر الدواعي إلى الثورة خلال هذه الأعوام الطوال.
فمنذ قتل أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، وغدا أمر الحكم للاُمويِّين خالصاً ، إلى حين ثورة الحسين عليهالسلام لم يقم في هذا المجتمع أيّ احتجاج جدّي جماعي على ألوان الاضطهاد والتقتيل وسرقة أموال الأمّة التي كان يقوم بها الاُمويّون وأعوانهم ، بل كان موقف السادة من هذه الأفاعيل هو إيجاد المُبرّرات الدينية والسياسية ، وكان موقف الجماهير هو موقف الخضوع والتسليم. عشرون عاماً على هذا المجتمع ـ من سنة أربعين إلى سنة ستين للهجرة ـ وهذه هي حالته. وتغيّرت هذه الحالة بعد سنة ستين ، بعد ثورة الحسين عليهالسلام ؛ فقد بدأ الشعب يثور ، وبدأت الجماهير ترقب زعيماً يقودها ، هي مستعدة للثورة وللتمرّد على الاُمويِّين في كلّ حين ، ولكنّها تحتاج إلى قائد ، وكلّما وجد القائد وجدت الثورة على حكم الاُمويِّين.
التمرّد الوحيد الذي كان يُصادفه الاُمويّون طيلة هذه العشرين عاماً وعلى فترات متعاقبة هو تمرّد الخوارج ، ولكنّه ـ كما قدّمنا ـ لم يكن مُتجاوباً مع المجتمع الإسلامي فلم يكن ناجحاً ، وكانت السلطة تقمعه بجيوش تُؤلّفها من سكّان البلاد التي ينجم التمرّد فيها. ولكن ما حدث بعد ثورة الحسين عليهالسلام كان شيئاً آخر ، كان تمرّداً يحظى بعطف المجتمع الإسلامي كلّه ، مَنْ شارك فيه ومَنْ لم يشارك ، وكانت أسبابه بعيدة عن تلك التي تدفع الخوارج إلى الثورة. كانت أسباباً تنبع من واقع المجتمع ؛ من الظلم والاضطهاد والتجويع ، ولم يتمكّن الحكّام الاُمويّون من قمع هذه الثورات بجيوش من سكّان المناطق الثائرة ، فقد كانوا يعرفون أنّ ثمّة تجاوباً نفسياً بين الثائرين وبين القاعدين ، فاضطروا إلى قمع هذه الثورات بجيوش أجنبية عن مناطق الثائرين ، اضطروا إلى جلب جيوش سورية ، وإقرار حاميات دائمة في مراكز الحكم.
هذه صورة مجملة لوضع المجتمع الإسلامي بعد ثورة الحسين عليه السلام
انتهى