انبعاث الروح النضاليّة
كانت ثورة الحسين عليهالسلام السبب في انبعاث الرّوح النضالية في الإنسان المسلم من جديد بعد فترة طويلة من الهمود والتسليم ، ولقد كانت الآفات النفسية والاجتماعيّة تحول بين الإنسان المسلم وبين أن يُناضل عن ذاته وعن إنسانيته ، فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام وحطّمت كلّ حاجز نفسي واجتماعي يقف في وجه الثورة.
كان الإطار الديني الذي أحاط به الاُمويّون حكمهم العفن الفاسد يحول بين الشعب وبين أن يثور ، فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام وحطّمت هذا الإطار وكشفت الحكم الاُموي على حقيقته ، فإذا هو حكم جاهلي لا ديني ، لا إنساني ، تجب الثورة عليه وتحطيمه.
وكانت المُسلّمات الأخلاقية تحول بين الإنسان المسلم وبين أن يثور ، كانت قوانينه الأخلاقية تقول له : حافظ على ذاتك ، حافظ على عطائك ، حافظ على منزلتك الاجتماعيّة ، فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام وقدّمت للإنسان المسلم أخلاقاً جديدة تقول له : لا تستسلم ، لا تُساوم على إنسانيتك ، ناضل قوى الشرّ ما وسعك ، ضحِ بكلّ شيء في سبيل مبدئك.
كان الرضا عن النفس يحول بينه وبين أن يثور ، ويغريه بالقعود عن النضال. فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام وخلّفت في أعقابها لجماهير كثيرة شعوراً بالإثم ، وتأنيباً للنفس وبرماً بها ، ورغبة عارمة في التكفير.
كانت كلّ هذه الأسباب تحول بين الناس وبين الثورة ، فجاءت ثورة الحسين عليهالسلام ونسفت هذه الأسباب كلّها ، وأعدّت الناس إعداداً كاملاً للثورة.
وللرّوح النضالية شأن كبير وخطير في حياة الشعوب وحكّامها.فحين تكون الرّوح النضالية هامدة ، وحين يكون الشعب مُستسلماً لحكّامه يشعر حكّامه بالأمان فيفعلون كلّ شيء ، ويرتكبون ما يشاؤون دون أن يحسبوا حساب أحد. هذا من جهة الحاكمين. وأمّا المحكومون فتلاحظ أنّه كلّما امتد الزمن بهمود الرّوح النضالية سهل التسلّط على الشعب ، واستشرت فيه روح التواكل والخنوع ، واستمرأ الرضا بحياته القائمة ، ولم يعُد بحيث يُرجى منه القيام بمحاولة جدّية لتطوير واقعه وإثبات وجوده أمام حاكميه ، وهذا يجعل إصلاحه وتطويره أمراً بالغ الصعوبة.
ولقد كان الإمام علي عليهالسلام حريصاً على أن تبقى روح النضال حيّة نامية في الشعب ؛ لتبقى للشعب القدرة على الثورة حين تدعو الأحوال للثورة ، وتشهد لذلك هذه الكلمة التي قالها وهو على فراش الموت ، ومن جملة وصيته :
«لا تُقاتلوا الخوارج بعدي ؛ فليس مَنْ طلب الحقّ فأخطأه كمَنْ طلب الباطل فأدركه»
معرّضاً بمعاوية بن أبي سفيان.
وعلّة هذا واضحة ، فقد حارب هو الخوارج ؛ لأنّهم تمرّدوا على حكم يتجاوب مع مصالح الشعب العليا ، انسياقاً مع أفكار خاطئة وسخيفة ، ولكن هذا لم يغيّر موقفهم من الحكم الاُموي الذي كانوا لا يزالون يرونه حكماً بغير حقّ ، فكان يريد ألاّ يتكتّل المجتمع ضدّهم بعده ؛ إذ سيُمكنهم تابعونا في
الحلقة الربعة والعشرين