من الصعوبة بمكان الخوض في أسباب الثورات، والعوامل التي أفرزتها إذ لا يوجد في الحقيقة سبب واحد، بل هي مجموعة أسباب وظروف موضوعية حققت قيام الثورة، وفرضت التوقيت على الثائرين، ولذلك من الصعب علينا أن نضع سلماً بالأولويات ومن من الأسباب، كان السبب الرئيس أو الحاسم في قيام الثورة، أو دراسة الظروف التي أدت إلى اختيار الوقت لإعلان الثورة.
ولا يمكن لأي باحث أن يقطع بأن هذا السبب أو ذلك كان هو السبب المباشر، أو أن هذه الظروف قد أملت على الثائرين اختيار وقت الثورة، أو أن نخطى الثائر باختياره للوقت، فنحن مهما تحرينا ودققنا في الأسباب والأوضاع لا يمكن لنا أن نسبر نفوس الثائرين وعقولهم، وما الذي يدور بخلدهم، وما الظروف والأوضاع التي كانت سائدة حينذاك، والمعلومات والحقائق التي تجمعت لديهم وحتمت عليهم القيام بثورة معينة في وقت معلوم.
ومن هذه الثورات تلك الثورة الخالدة التي لا يزال أوارها يشتعل، فتقتبس منها الأمم والشعوب مشاعل الحرية والكرامة والثورة على الظالمين، وأعني بها ثورة الإمام الحسين، إنها ملحمة الطف الخالدة.
ليس من اليسير تلمس الأسباب التي دفعت الحسين (ع) لمناهضة الأمويين والثورة عليهم؛ ذلك أنها ثورة على مجمل قضايا العصر التي شهدها الحكم الأموي، سیاسية واجتماعية واقتصادية فضلا عن جانبها العقائدي.
ونحن إذ نحاول أن تصل إلى الأسباب الحقيقية التي أدت بالإمام الحسين(ع) إلى اعلان ثورته، ومقارعة الظلم الأموي، والعودة بالدين الإسلامي إلى شرعته الأصلية وإلى انتمائه الطبيعي، وبعده العالمي، تجد لزاما علينا أن نقرأ خطبة الإمام الحسين(ع) له في جيش الأمويين، فهو يحدد لنا وبين الأسباب التي توجب الثورة، والوقوف بوجه الظلم والظالمين، ولذلك سوف نبتعد قليلا عن الأسباب التي يعتمدها معظم الباحثين على أنها أسباب الثورة، وفي مقدمها البيعة لزيد بالخلافة بعد معاوية، على الرغم من اعترافنا بأنها سبب من الأسباب المهمة، لكن باعتقادنا أن البيعة ليزيد ليست سببا كافيا لإشعال الثورة بقدر ما كانت سببا في تعجيل الثورة، وفي فرض توقيتها على الإمام الحسين (ع).
فالأسباب كانت كثيرة ومهمة، فمنذ زمن معاوية والحسين كان يدرك ذلك، ويلاحظ تأثيرها في الدين والمجتمع، وكان ذلك يقلقه ويقض مضجعه، وهو يرى تغيير معالم السُّنة، وتشويه معالم الدين، وبث روح الجاهلية، والسير بالأمة بعيدا عن قيم الإسلام.
عندما نقرأ سيرة الإمام الحسين (ع) في انطلاقته، فإننا نجد أن العنوان الذي كان يحكم سيرته إنما هو عنوان الإصلاح في أمة جده، الإصلاح الفكري في مواجهة الانحراف الفكري، والإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي، والإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الاجتماعي.
نعم كان الحسين(ع) مصمما على مواجهة هذا الانحراف سواء بوجود الأنصار أم بعدم وجودهم، فالحسين(ع) كان أمة بذاته، وكان قضية، وكان مصير الإسلام وسر وجوده، فهو والحال هذه لم يكن يبني آمالا عريضة على كتب أهل الكوفة ورسائلهم على ما تمثله لديه من أهمية، ومن حجة عقلية، فبوصفه زعيما دينيا لا يمكن له إهمال هذه الكتب والرسائل، ولا إهمال تطلعات أصحابها على الرغم من معرفته الدقيقة بالكوفة وأهلها، وطبيعة المجتمع فيها، وبالسياسة التي كان ينتهجها معاوية مع زعمائها وأشرافها الذين استمالهم بالعطاء والمنع.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الإسلامي، النهضة الحسينية، ج1، ص220-228.