شهدت مدينة كربلاء منذ تمصيرها وتكوينها كمدينة، لها معالمها العمرانية والحضارية، نشاطا علميا ملحوظا، وازدهرت فيها حركة فقهية وادبية، وشهدت حضورا علمائيا مكثفا، كان من بينهم كبار العلماء والفقهاء ممن تشد إليهم رحال طلاب العلم، حتى انها أصبحت الحوزة العلمية الرئيسية عند الشيعة في حقبة من الزمن.
باشرت حوزة كربلاء أعمالها، منذ لحظة نزول الامام الحسين (عليه السلام) ارض كربلاء، واستمرت من خلال اجتماع زائري الأضرحة المباركة بدءا من مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) وانتهاء بسائر الشهداء، تحت خيمة عند السور، آنذاك، وقد استمرت هذه الحالة بحضور الإمام السجاد والإمام الباقر والإمام الصادق (عليهم السلام)، فصارت تقلیداً يقيمون به في كل عام حزناً على فاجعة الإمام الحسين (عليه السلام)، خاصة أثناء زيارة الإمام الصادق (عليه السلام)، حينما كان يسافر إلى كربلاء، فاكتسب ذلك الاجتماع بوجوده (عليه السلام) رونقاً، لما يلتقيه من محدثين و فقهاء شيعة، ولم يمض وقت طويل حتى تبدلت صحراء كربلاء الجافة إلى ارض عامرة، وصارت مركزاً من المراكز العلمية والثقافية، اذ توالى وفود العلماء والفقهاء على ارضها.
وهذا ما وجدناه في كتب الرجال والتراجم من علماء وفقهاء واكبوا كل عصر من عصور الحركة العلمية في كربلاء عبر القرون، بدءا من القرن الثالث الهجري واستمرت وباتساع عبر القرون اللاحقة لها والى يومنا هذا، ولا يخفى أن ظاهرة انتشار الحوزات العلمية الدينية في المدن المقدسة مثل النجف، وكربلاء، والكاظمية، وسامراء، وقم، ومشهد، بقيت محتفظة باستمراريتها وديمومتها، على الرغم من إنها مرت بمراحل فتور، لأسباب مختلفة لكنها ظلت متمسكة بهويتها وخصوصيتها على مر التاريخ.
لقد مرت الحوزة العلمية في كربلاء بعدة أدوار ومراحل عبر مسيرتها التاريخية، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أدوار علمية، لم تنقطع حركة العلم والعلماء خلالها وانا فترت في بعض القرون واصابها الركود في بعضها الآخر، ووصلت إلى قمة الحركة والعطاء العلمي في أحيانا أخرى.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي، قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج4، ص56-57.