آن ازدياد المكانة الدينية لمدينة كربلاء في مطلع القرن التاسع عشر من قبل المسلمين، وتوافد آلاف الزائرين اليها، وما يقدمونه من هدایا ونذور الى الضريحين الحسين وأخيه ابي الفضل العباس. كانت أحد الاسباب في الهجوم الوهابي العنيف عليها، والذي يمكن أن نصفه بانه من أصعب الفترات التي مرت بها المدينة عبر تاريخها الحافل. ولشدة هول الفاجعة التي حلت بكربلاء فان البعض يسمي تلك الحادثة "الطف الثانية".
وقع الهجوم الوهابي على كربلاء في السنة الاخيرة من عهد الوالي سليمان باشا الكبير أي عام ۱۸۰۲م، فقد اجتاح العراق وباء الطاعون في تلك المدة وكان الوالي خارج مدينة بغداد فوردت اليه رسالة من شيخ المنتفق حمود الثامر تبلغه باجتياح عبد العزيز بن سعود واتباعه الحدود العراقية.
بدأ الهجوم الوهابي على كربلاء في أواسط نبسان ۱۸۰۲م وقد صادف هذا في عيد الغدير ۱۸ ذي الحجة وكان غالبية سكان المدينة في النجف الاشرف لأداء مراسيم الزيارة والاحتفال بالعيد. وقد قدرت القوات الوهابية ب(600) هجان و(400) فارس، تمكنوا من دخول ابواب المدينة عنوة.
يصف لنا لونكريك استباحة المدينة قائلا: "اندهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى بل كيفما شاء خوفهم. أما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة واخذوا يخربونها.
فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا المجسمة. ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشاوات والأمراء وملوك الفرس، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف واخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والابواب المرصعة، وقد سحبت جميعها ونقلت إلى الخارج.
وقتل زيادة على هذه الافاعيل قرابة الخمسين شخصا بالقرب من الضريح، وخمسمائة أيضاً خارج الضريح في الصحن. اما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فسادة وتخريبه، وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه کما سرقوا كل دار. ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل، ولم يحترموا النساء ولا الرجال فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا اسراهم.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور التاريخي قسم التاريخ الحديث والمعاصر، ج2، ص111-122.