سجلت المرأة في معركة الطف أدواراً متميزة في مشهد النصرة والفداء كانت من أنصع الصفحات وأكثرها إشراقاً في التاريخ الرسالي، وقد جاوزت المرأة في ذلك طبيعتها المعتادة في الحرص على سلامة أبنائها وأزواجها وتمني دفع الغوائل عنهم إلى الحالة الأسمى في التضحية بدفع الأبناء والأزواج معاً إلى سوح الوغى وحثهم على الصمود والبسالة فيها، وتقبل استشهادهم فيها بالرضا والاطمئنان وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية دقيقة تبين عدد الشخصيات النسائية اللاتي شهدن واقعة ألطف، الا ان الكتب والأبحاث تناقلت بعض أسماء النساء الجليلات اللاتي شهدن الواقعة، أو اشتهر حضورهن من خلال مواقفهن مع أقاربهن (الزوج، الأب، الولد ..)
السيدة زينب (عليها السلام)
تبقى الحوراء زينب (ع) عقيلة بني هاشم تمثل الرمز في هذه الحركة بالنسبة إلى النساء، وكان لها دور عظيم في واقعة ألطف كانت عليها السلام الشاهدة على نهضة السبط الشهيد والحاملة لرسالتها إلى الآفاق، ولأن النهضة أساساً كانت تهدف بعث زلزال في الضمائر، فإن دم الشهداء كان سيذهب سدى من دون دور الشاهدة العظيمة زينب (ع)، ودور الشاهدين الآخرين معها وكانت باكورة ذلك حین أمر شمر في عصر أالعاشر من المحرم ن یرموا الحسين (ع) فرشقوه بالسهام، فخرجت زینب (ع) من باب الخيمة نحو الميدان، ثم وجّهت كلامها إلى عمر بن سعد ، وقالت "يا بن سعد أيقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه" فلم يجبها عمر بشيء ولما انتهت إلى جسد أخيها المضرّج بالدماء بسطت يديها تحت بدنه المقدس، ورفعته نحو السماء، وقالت (إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان) وبعد أن انتهت من وداع الجسد الطاهر عادت راجعة إلى المخيم لتتولى مسؤولية الحراسة وإقامة مأتم الشهداء، خاتمةً ليلتها العصيبة تلك بالتهجد إلى ربّها ومناجاته، حتى انبلج عمود الفجر. (1)
ومن مواقف الشهامة والمبدئية العالية للمرأة ما لم يكن لمثله من أولئك الرجال الأوغاد الذين حملتهم مطامعهم وأهوائهم إلى الاستكانة للشر والبغي - ما كان من أمر خولي بن يزيد الأصبحي مع زوجته فإنه عهد إليه برأس الإمام الحسين عليه السلام وقد أتى به إلى منزله ووضعه تحت أجانه، ودخل فراشه ثم قال لامرأته "جئتك بغنى الدهر، هذا رأس الحسين عليه السلام معك في الدار"، فغضبت لما أخبرها بذلك وقالت له "ويحك لقد جاء الناس بالذهب والفضة، وجئتني برأس ابن بنت رسول الله، والله لا يجتمع رأسي ورأسك في بيت أبداً"، وقامت من فراشه وخرجت من الدار. (2)
المصدر
السيد بن طاووس، اللهوف، ص 159و161 / السيد عبد الرزاق الموسوي، مقتل مقرم، ترجمه عزيز الهي كرماني، ص 192.
البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 206؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 455.