في عام 767 هـ/1366م، شهد مرقد الإمام الحسين (ع) في كربلاء تحولاً معمارياً كبيراً تحت حكم السلطان أويس بن الشيخ حسن الجلائري، سلطان الدولة الجلائرية التي حكمت العراق وخراسان، قرر السلطان أويس تجديد الروضة الحسينية للمرة السابعة في تاريخها، لتعكس مكانتها الروحية وتعزز شرعيته كحاكم شيعي متحمس لخدمة المقدسات، بدأ المشروع ببناء ضريح ضخم فوق القبر الشريف، مُشيّد من الطابوق (الآجر) المحروق والجص، مع تصميم قبة عالية ترتفع فوق الضريح، صُممت أيضاً من الآجر لتتناغم مع الهيكل العام. ولإضفاء طابع الجلال، أُقيمت مئذنتان توأمتان في مقدمة الحرم، تحيطان بالقبة وترتفعان بشكل متناسق، كرمز للعمارة الإسلامية التي تجمع بين البساطة والوقار.
لم تكن الأحداث السياسية بمنأى عن هذه المشاريع، ففي نفس العام (767 هـ)، تمرد أمين الدين مرجان، والي بغداد التابع للجلائريين، محاولاً الانفصال عن السلطنة، لكن هزيمته العسكرية أمام جيش السلطان أويس دفعته للفرار إلى كربلاء، حيث لجأ إلى حرم الإمام الحسين (ع) طالباً الحماية، ونذر إن نجا أن يبني مئذنة ومسجداً ملحقاً بالمرقد، وبعد مفاوضات، عفا السلطان أويس عن مرجان تقديراً لـتعلقه بأهل البيت، فوفى الأخير بنذره، وشيّد مئذنةً عُرفت تاريخياً بـ(مئذنة العبد) في الجانب الشرقي من الصحن الحسيني، بمواد بناء متواضعة من الآجر والجص، مع مسجد صغير جاورها، ولم يكتفِ بذلك، بل أوقف أموالاً من أملاكه في بغداد وكربلاء وعين التمر لضمان استمرارية صيانة المئذنة والمسجد، وهو ما جعلها تُذكر في المصادر كأحد أقدم الأوقاف المرتبطة بالمرقد.
استمرت جهود السلطان أويس حتى وفاته، ليتولى ابناؤه السلطان حسين والسلطان أحمد إكمال المشروع عام 786 هـ/1384م، فتم توسعة الروضة الحسينية بإضافة إيوان الذهب، البهو الأمامي الفاخر الذي أصبح لاحقاً أيقونة فنية بزخارفه المدهشة من المرايا الملونة والفسيفساء والطابوق القاشاني (خزف ملون)، والذي صُمم ليُبرز جمال الضريح من خلال فتحات محسوبة في اتجاه قبلة الصلاة، كما أعيد تشكيل المساحة المحيطة بالضريح على شكل مربع، مع إدخال تقنيات زخرفية جديدة كالخطوط الكوفية المذهبة على الجدران، وإطارات من المرايا الصغيرة التي تعكس الضوء داخل الحرم، مما أعطى المكان بعداً روحياً أخّاذاً.
وفي عام 793 هـ/1391م، أضاف السلطان أحمد لمسةً نهائية للمشروع بتزيين المئذنتين بالطابوق القاشاني الأصفر، الذي استُورد من مدن إيرانية ككاشان، مع نقش تاريخ البناء عليهما بعبارة: "تم هذا العمل سنة 793 هـ". كما جرى تعزيز أساسات القبة لتصمد أمام العوامل الطبيعية، وهو ما يفسر بقاء الهيكل الأساسي للبناء الجلائري حتى اليوم، رغم الكوارث والترميمات اللاحقة.
راجع
د.عبد الجواد الكليدار آل طعمة،تاريخ كربلاء وحائر الحسين(عليه السلام)،المطبعةالحيدرية،النجف الاشرف،1949،ص166
زين العابدين سعد عزيز