بعد أوامر المتوكل العباسي بهدم القبر الشريف لسيد الشهداء (عليه السلام) تأهّب إبراهيم الديزج (كان يهودياً فأسلم) الى الخروج، ومعه جماعة من اليهود، ومن غلمانه سيّر معهم المتوكل عمر بن فرج الرجحي، وترأس الحملة هارون المعري قائد المتوكل.
نزل الدّيزج الكوفة، وأخذ معه جماعة من الفعلة، ومعهم المساحي، وتوجهوا إلى كربلاء، فوصلوها عند المساء، فتقدّم الديزج بنفسه، وأخذ يحفر عند موضع القبر، ثم أمر غلمانه بتهديم وتخريب قبر الإمام الحسين (عليه السلام)، ثم كربه ومخره، وأمر بتخريب كل ما حوله، ثم طرح بنفسه جانباً لما ناله من تعب السفر فنام، فأخذ غلمانه في الشروع بتخريب كل ما حول القبر من المنازل والدور، وهدم بناء القبر، وكرب ما حوله حتى بلغوا موضع القبر نفسه، فلم يجرأ على التقدم أحد منهم، حيث استولى عليهم الرعب.
فاستبدلوا بغيرهم جماعة من اليهود الذين كانوا معهم، فلما تقدم هؤلاء اليهود وبيدهم المساحي والمروز، شاهدوا قوماً يحولون بينهم وبين قبر الحسين ، وأخذوا يرموهم بالسهام والنبال، فعلت عند ذلك ضوضاء اليهود، والغلمان والفعلة، فجاؤوا ينبهون الديزج فاستيقظ مذعوراً من نومه وسألهم ما شأنكم؟ قالوا: أعجب شأن، فسألهم ما وراءكم ؟ قالوا : بموضع القبر قوم حالوا بيننا وبين القبر، وهم يرمونا بالسهام، فنهض معهم ليكشف الحقيقة، فوجد الحال كما وصفوا له، وكانت ليلة من الليالي المنيرة، فأمر الديزج غلمانه أن يرمونهم بالسهام، فرموا فعادت سهامهم عليهم، فاستوحش لذلك واستولى عليه الرعب والفزع، وكذلك قومه، فاستولت عليه الحمى، فرحل ورحل غلمانه جانباً من القبر، وارتضى أن يقتله المتوكل على أن لا ينفذ هذا الأمر، وأقسم غلمانه على كتمان ذلك الأمر على المتوكل، فمخر القبر بالماء وكربه بالبقر، وكرّ بنفسه راجعاً إلى الكوفة، وارتفعت درجة حماه كثيراً حتى مات من تلك الحمى، وقد ترك الديزج على رأس غلمانه في كربلاء عمر بن فرج الرجحي.
ولمّا دخل الديزج على القاضي جعفر بن محمد الكوفي، سأله ما صنعت؟ فقال: أني فعلت ما أمرت فلم أر شيئاً ولم أجد شيئاً، فقال له القاضي: أفلا عمقته؟ قال: فعلت ذلك وما رأيت، فكتب عند ذلك القاضي إلي المتوكل يخبره بما فعل إبراهيم الديزج.
وروي عن عمر بن فرج الرجحي: إنّ المتوكل العباسي أمرني أن أرافق الديزج لهدم قبر الحسين في كربلاء، ولما تركني الديزج بعد أن اشتدت علية وطأة الحمى، بقيت على رأس الفعلة، والغلمان، والرز كاريون الى غداة غد، فلما أصبح الصباح أمرت بالبقر فمرّت على القبور كلها، فلما بلغت قبر الحسين السلام لم تمر عليه، فأخذت العصا بيدي، فما زلت أضربها حتى تكسرت العصا في يدي، فوالله ما جازت على القبر و لا تخطته، فبعد ذلك أمرت إرسال الماء عليه من نهر العلقمي، فحار الماء بقدرة الله تعالى على بعد من القبر باثنين وعشرين ذراعاً، وفي رواية أخرى اثني عشر ذراعاً، وصار الماء كالحائط وأستدار حول القبر.
ويُنقل أنّ زيد المجنون والبهلول قد سارا بحزن وأسىً شديد نحو قبر سيد الشهداء (عليه السلام) بعد سماع نبأ هدمه، فلمّا وصلا إلى القبر الشريف وإذا هو على حاله لم يتغير، وقد هدموا بنيانه، وكلما أجروا عليه الماء غار، وحار واستدار بقدرة العزير الجبار، ولم تصل إليه قطرة واحدة، وكان القبر الشريف إذا جاءه الماء يرتفع أرضه بإذن الله تعالى فتعجب زيد المجنون مما شاهده وقال: انظر يا بهلول (يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).
المصادر: