من الشخصيات الأدبية الكربلائية التي كان للحسِّ الثوري دورٌ في صقل تجاربها في الكتابة شاعرنا الأستاذ عباس أبو الطوس المنحدر من عائلة (آل أبي الطوس).
وُلِدَ الشاعر عباس أبو الطوس في كربلاء المقدسة سنة 1929، ونشأ بها وترعرع بين أسرة فقيرة مُعدمة. وذكر الأستاذ موسى إبراهيم الكرباسي في كتابه (البيوتات الأدبية في كربلاء / طبعة 2015) أن الشاعر (أبو الطوس) تعلم القراءة والكتابة عن شيخه الشاعر الشعبي عبد الكريم الكربلائي، حتى صار له ولعٌ وشغفٌ على القراءة واستلهام العلوم والمعارف، وكل ما يمكنه من تدعيم تجربته؛ ليكون له المكان اللائق والمرموق في الوسط الأدبي، خصوصاً كتب الجاحظ والكتب التاريخية، لألفية ابن مالك، وبعض خطب أمير المؤمنين (عليه السلام). وهذا ما جعله يكتسب رصيداً ثقافياً ومعرفياً كبيراً.
وكما قلنا في البداية أنَّ الحسَّ الثوري لعب دوراً في تكوين شخصيته، فقد سُجِن شاعرُنا مرات عديدة بسبب مواقفه الاحتجاجية الرافضة لأشكال الظلم والاستبداد خلال حياته. ومنها مشاركته الفاعلة في انتفاضة تشرين 1952 وقد تسرَّبَت شخصيته الثورية بشكل واضح وصريح في قصائده، خصوصاً التي استلهمت رمزية الإمام الحسين (عليه السلام) بوصفه أيقونةَ رفضٍ، ومشعلاً يضيءُ طريقَ الأحرار الساعين لقول كلمة الحق صارخةً بأزمنة الجور والطغيان.
ومن أهم قصائدهِ التي تجسد هذا المعنى قصيدة (الحسين الخالد)، اخترنا لكم منها هذه الأبيات :
لكَ في صراعِ البَغْيِ يومٌ أكــبرُ لا زالَ يرويهِ النجيـــعُ الأحمرُ
يزهو على هامِ الزمانِ فتنجلي من نورِهِ ظُلَمُ الحيـــــاةِ وتُدْحَرُ
وتعيدُهُ الأيامُ لحنــــــــــاً ثائراً ينسابُ في سَمْعِ الزمانِ ويهدُرُ
لكَ مثلما لأبيكَ ذِكْرٌ خــــــــالدٌ باقٍ بقــــــــــــاءَ الدَهْرِ لا يَتَغَيَّرُ
لا زالَ يومُكَ وهو يومُ شهادةٍ يجلو الظلامَ عنِ العيونِ ويحسرُ
ويُنيرُ دَرْبَ التضحياتِ بمشعلٍ للفِكْـــــــرِ يعصفُ بالأذى وَيُدَمِّرُ
تُوفِّيَ شاعرُنا أبو الطوس في السابع والعشرين من كانون الأول لعام 1958 وهو بعمر الورود بعد أن نشر صوتَهُ الشعري والثوري في المحافل والندوات.
البيوتات الأدبية في كربلاء / موسى ابراهيم الكرباسي