الشريف الرضي، وهو الشريف محمد بن ابي احمد الطاهر بن امير الحاج ابراهيم بن المرتضى بن الامام موسى بن جعفر (عليه السلام) وهو أحد أعلام الفكر والأدب الإسلامي في عصره، وُلِد في بغداد عام 359 هـ ونشأ وسط بيئة علمية أدبية غنية أسهمت في تشكيل شخصيته المبدعة والمتزنة تميّز منذ صغره بذكائه وقدرته على إتقان علوم اللغة والفقه والحديث، وتلمذ على أيدي كبار العلماء والفقهاء مثل الشيخ المفيد، لقبه بهاء الدولة ب (ذي الحسبين).
حقق الرضي إنجازات علمية وأدبية عديدة، حيث جمع خطب الإمام علي (عليه السلام) في ما أصبح يعرف لاحقا بكتاب نهج البلاغة، وكتب ديوان شعر غني بمضامين مدح أهل البيت والمواثيق النبوية، فضلاً عن مقاطع رثائية أنشدها في حق الشهداء في واقعة كربلاء. وقد تركت قصائده تأثيرًا بالغًا في نفوس محبيه، إذ جسدت مشاعره العميقة تجاه أل البيت ودعمت الوعي الديني والثقافي لدى أتباع المذهب، فكانت كلماته خير شاهد على وفائه وولائه لآهل البيت الطاهرين.
لم يقتصر دور الشريف الرضي على الإبداع الشعري فحسب، بل تولى مناصب مهمة في الدولة؛ فقد شغل نقابة الطالبيين وإمارة الحج والنظر في المظالم، مما أكسبه مكانة رفيعة بين العلماء والقضاة في بغداد. وكان لأسلوبه الأدبي الأصيل وزهده والتزامه بالقيم الأخلاقية أثرٌ بالغ في تكوين جيل من المفكرين والشعراء، فانتشرت آثاره بين الأدباء والمثقفين حتى أصبح اسمه مرادفًا للعلم والأدب والإخلاص في مدح أهل البيت.
توفي الشريف الرضي في السادس من شهر محرم سنة 406 هـ، وقد استقبلت وفاته مشاعر حزن عارمة بين معاصريه ومحبيه؛ ففي جنازته حضر كبار الوزراء والأعيان، حيث صلى عليه الوزير فخر الدولة ودفن أولاً في داره بمحلة الكرخ في بغداد. وفيما بعد، نُقل جثمانه إلى مشهد الحسين عليه السلام في كربلاء.
يتجلى تأثير الشريف الرضي كأحد أعلام الفكر والأدب الإسلامي من خلال أعماله التي مزجت بين الإبداع الشعري والولاء العقائدي لقد أسهمت شخصيته المتعددة الجوانب في تشكيل معالم الأدب العربي والوعي الثقافي، سواء عبر جمعه خطب الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة أو من خلال قصائده التي أصبحت شاهداً على عمق انتمائه لآل البيت ودوره في تعزيز الفكر الديني والأخلاقي، ولا شك أن مواقفه السياسية والاجتماعية، إلى جانب إبداعه الأدبي، جعلت منه شخصية محورية في عصره، أثرت في الأجيال اللاحقة من العلماء والمثقفين.
راجع
محمد حسين مصطفى الكليدار آل طعمة، مدينة الحسين مختصر تاريخ كربلاء، من اصدارات مركز كربلاء للدراسات والبحوث، ٢٠١٦، ج٢,، ط١، ص١٨٤
