تعد دراسة المستقرات البشرية من بين أهم التوجهات العلمية الحديثة، وقد نالت اهتمام الكثير من العلوم التطبيقية كالجغرافية والتخطيط والاجتماع والهندسة وغيرها وهي تمثل اليوم البني الأولى لدراسة مفهوم استقرار الإنسان ضمن بيئته المحلية و التكيف مع متغيراتها المكانية من ناحية، كما يعول على مثل هذه الدراسات في تفهم أدوار الإنسان الحضارية عبر التاريخ، فقد مثلت مراكز الاستقرار البشري بأشكالها وصورها المختلفة بدءاً من القرية وصولاً للمدينة نماذج عمرانية وتخطيطية ترجمت صيغ التفاعل المكاني للإنسان مع محيطه وتفهم ذلك الأثر من ناحية أخرى.
لقد شكلت محافظة كربلاء المقدسة بجميع خصائصها المكانية والديموغرافية بيئةً مهمة للاستقرار البشري عبر مراحل تاريخها البشري الذي يعود لحقب تاريخية موغلة في القدم والتي ترجمت على ارض الواقع بظهور مستقر ات بشرية (ريفية وحضرية) لتركز السكان على اختلاف توزيعهم البيئي ضمن مراکز عمرانية تباین توزيعها المكاني على أجزاء مختلفة من المحافظة تبعاً لطبيعة بعض الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وحتى الطبيعية التي ساهمت في توزيع مراكز الاستقرار البشري في المحافظة.
تعد مدينة كربلاء المقدسة اكبر تجمع حضري وسكاني في عموم المحافظة والتي اجتذبت الكثير من السكان بفعل تأثيرها الحضري والديني و تمركز العديد من الوظائف والفعاليات الحضرية فيها مما جعلها تفرض شخصيتها المكانية ورتبتها الحضرية على جميع المستقرات البشرية في المحافظة فيها تأتي مدينة الهندية بمرتبة حضرية أدنى من مدينة كربلاء المقدسة والتي تشهد نمواً حضرياً مناسباً ضمن واقعها الريفي کمركز تجاري وإداري ضمن محيطها الجغرافي الذي يضم مستقرات بشرية ذات طابع ريفي (الجدول الغربي وناحية الخيرات).
أما مدينة عين التمر التي تشغل موقعاً جغرافياً هامشياً في عمق الصحراء والتي تحظى بتاريخ بشري موغل في القدم فقد مثلت نموذجا لمدن الثغور الصحراوية في المحافظة والتي تعيش على بقايا الآثار والحضارة القديمة وبعض الجوانب السياحية، فيما يظهر نوع أخر من المستقرات البشرية في المحافظة والذي يجمع بين الطابع الريفي من جانب والحضري من جانب أخر يمثل هذا النوع من الاستقرار في مناطق الحر والحسينية والإبراهيمية وعون التي تشهد تركزاً كبيراً لسكان الريف والحضر على حدٍ سواء وكلٍ نوع من هذه المستقرات البشرية في المحافظة يمثل نمطاً بشرياً وعمرانياً له خصائصه وبيئته المحلية.
المصدر/ موسوعة كربلاء الحضارية، المحور الجغرافي، ج2، ص41-42.