مرت مدينة كربلاء بعدة مراحل من التوسع والتطور العمراني، حيث بدأت كنقطة تجمع صغيرة حول مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) ثم نمت عبر العصور لتصبح مدينة حضرية متكاملة. ويمكن تقسيم تطورها العمراني إلى أربع مراحل رئيسية:
1- المرحلة الأولى (النشأة والتكوين الأولي حتى نهاية العصر العباسي)
بدأت كربلاء كنقطة دينية صغيرة تشكلت حول مرقد الإمام الحسين (عليه السلام) بعد استشهاده عام 61 هـ (680 م)، في البداية، كانت هناك مساكن بدائية من الطين وجذوع النخيل، ثم بدأ المختار الثقفي عام 65 هـ ببناء قبة صغيرة فوق المرقد الشريف، ما أدى إلى تجمع عدد من السكان حوله، خلال العصر العباسي، شهدت المدينة عمليات هدم وإعادة بناء متكررة، ومع مرور الوقت، تم إنشاء أول سور يحيط بالمركز الديني لحماية السكان. تميزت هذه المرحلة بتخطيط غير منتظم وأزقة ضيقة متعرجة، مما يعكس طبيعة التوسع العشوائي حول النقطة المحورية للمدينة.
2- المرحلة الثانية (العهد الصفوي والعثماني – من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر)
مع وصول الصفويين إلى الحكم في العراق عام 1508 م، بدأت كربلاء تأخذ طابعاً عمرانياً أكثر وضوحاً، حيث تم تطوير المراقد الدينية وتحسين البنية التحتية، شهدت هذه الفترة بناء سور لحماية المدينة من الهجمات، خصوصاً بعد غزو الوهابيين عام 1801م في العهد العثماني، قام السلطان سليمان القانوني بإنشاء نهر السليمانية الذي وفر مصدراً دائماً للمياه، مما ساهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان كما شهدت هذه المرحلة بناء أسواق تجارية وخانات لاستيعاب الزوار القادمين من مختلف المناطق، مما أدى إلى ازدهار النشاط الاقتصادي في المدينة.
3- المرحلة الثالثة (التوسع في العصر الحديث – من أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين)
شهدت كربلاء تطورات عمرانية ملحوظة مع بداية القرن العشرين وقيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921م تم تنظيم المدينة وفق أسس حديثة، حيث توسعت خارج أسوارها القديمة وظهرت أحياء جديدة بتخطيط أكثر انتظاماً، في عام 1923 م، تم ربط كربلاء بخط سكة حديد يصلها ببغداد، مما أدى إلى زيادة أعداد السكان والتوسع العمراني، في الأربعينيات، توسعت المدينة إلى 25 كم² مع ظهور مناطق جديدة ذات شوارع واسعة وبنية تحتية حديثة، كما بدأت مشاريع تنظيم الأسواق والمناطق التجارية لتعزيز دورها كمركز ديني وتجاري في آنٍ واحد.
4- المرحلة الرابعة (التوسع الحضري الحديث – من منتصف القرن العشرين حتى اليوم)
مع دخول العراق إلى عصر الحداثة في الخمسينيات، بدأت كربلاء تشهد تخطيطاً مدروساً لمستقبلها العمراني، في عام 1958، قامت مؤسسة دوكسيادس بوضع مخطط أساسي لتنظيم توسع المدينة، تبعته دراسات حكومية عديدة مثل مخطط وزارة الحكم المحلي عام 1971، ومشروع تطوير المرقدين عام 1977، ومخطط وزارة التخطيط عام1978م ، توسعت كربلاء بشكل ملحوظ، حيث ازدادت مساحتها إلى أكثر من 52 كم² وظهرت أحياء جديدة مزودة بالخدمات الأساسية والبنية التحتية الحديثة، كما شهدت السنوات الأخيرة مشاريع تطوير كبيرة لتحسين الطرق والمناطق التجارية والخدمية، مع الاهتمام بتطوير محيط العتبات المقدسة لاستيعاب الزيادة المستمرة في أعداد الزوار.
هذا التطور العمراني المتدرج يظهر كيف استُغلت القيمة الدينية لكربلاء لتكون محور جذب حضري، مما ساهم في تكامل بنيتها المعمارية والاجتماعية وتوسعها المستمر.
المصدر
د.رياض كاظم الجميلي،مدينة كربلاء دراسة في النشأة والتطور العمراني،دار الكتب،كربلاء،2012،ط1،ص58
زين العابدين سعد عزيز