(الأربعين.. تداعيات في أسطرة رؤى الماضي والحاضر) ح6
بقلم/ محمد طهمازي
إن الأسطورة لا تنحو منحى الخرافة في تحويلها لما هو غير طبيعي لطبيعي فالأسطورة تمنح للواقعة الطبيعية مبرّرًا طبيعيًّا، وتنقل الحدث من إطاره الزمني الوقتي إلى إطار الديمومة والخلود، وفق رأي الفيلسوف ومنظّر الاجتماع الفرنسي رولان بارت Roland Barthes في كتابه )أساطير). لقد انبثقت البنية الرمزية في شجرة الأربعين امتدادًا لسردية عاشوراء كربلاء وهي نتاج لأحداثها وبالتالي فإن رموز الأربعين مستمدّة من رموز عاشوراء لكنها استُلَّت من أرض تلك الملحمة لتزرع في أرض ملحمة جديدة مختلفة ولكن هي في سياقها التفاعلي مكملة للملحمة الأولى ومعمِّقة لفعلها في الوجدان الشعبي ومن ناحية أخرى نجدها تجني ثمار ملحمة عاشوراء وتذهب إلى الاستثمار فيها.
إن رموز الأربعين، أو ملحمة كربلاء، وإن كانت قد استأثرت بالمشهد لكن وجودها مبني لا على كاريزما وسيرة وفعل الشخصية الفردية فقط بل على الشخصية أو البنية الانفعالية للحدث التاريخي، لهذا نجد تأثيرها قويًّا فوق مستوى التأثير المعتاد للرموز.. كيف ذلك؟
يقول عالم الإنسانيات والفيلسوف الفرنسي بول ريكور Paul Ricoeurفي تناوله لمفهوم الحدث التاريخي في مقاله (عودة الحدث): " إن اختيار الحدث كونه تاريخي يعتمد على وضع الحَبْكة (وهي التَّناسق البنائيّ للتفاصيل الانفعالية الدرامية لأجزاء العمل لتبدو أحداثُه مترابطة) ولهذا كان مصطلح الحدث مرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم التَّاريخ، ذلك أن التَّاريخ من دون أحداث سوف يعاني من أزمة فقدان الهوية.".
لقد اجتمعت في شخصية الحسين (عليه السلام), وهو الشخصية المحورية في الملحمة والرمز الرئيس فيها, كل مقوّمات الشخصية التاريخية والرمز الأسطوري فهو ابتداءً خالف السلوك الجمعي حينما انطلق عكس توجّه الحشود الكبيرة المتجهة لأداء فريضة الحج وفي ذات الطريق الرئيسي الذي يسلكه الحجيج ليؤكّد بأنه هو البوصلة التي ينبغي التوجه صوب إشارتها كما كان والده علي بن أبي طالب (عليه السلام) وعلى لسان النبي محمد (صلى الله عليه وآله) حينما نطق عن وحي الله: "علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار" فالحق يدور حيثما دار علي وحيثما يدور الحسين بن علي مصوّبًا حقيقة أن لا قيمة لحشود تجتمع راضخة لقيادة دولة الباطل لتؤدي فريضة وُجِدت لتوحيدها على منهج الحق, فالحج يكون مع الحسين كما الحق وحيث اتجه الحسين يتجه الحق والحج معًا, فإمام الزمان هو بوصلة العقيدة التي يفترض أن تعتصم تحت خيمتها الأمة بيد أن هذه الأمة كانت تعيش الغفلة القاتلة, سجن عقلي ألقاها فيه إعلام السلطة الأمويّة وصوّر لهم فيه الباطل حقًّا والحق باطلاً, فكان لابد لها من صدمة أو صدمات تعيدها إلى وعيها فكانت ثورة الحسين.
يتبع ...