(الأربعين.. تداعيات في أسطرة رؤى الماضي والحاضر) ح2
بقلم/ محمد طهمازي
ترتبط الأسطورة بالمفاهيم الأدبية والفنية وحتى الثقافية والحضارية وعلى الرغم مِن احتوائها على مساحة واسعة من الخيال إلا أنها تُعد من أروع النتاجات الفنية لشعوب العالم تغنّى بها شعراؤهم متخذين مِن أبطالها عناوين لقصائدهم تحولوا لاحقًا لرموز خالدة في تاريخهم.. تعاني الأسطورة من خلط مفاهيمي أزلي بينها وبين الخرافة التي ترتبط بالكائنات المرعبة والغريبة والتي لا وجود لها إلا في مخيّلة مخترعيها ممتزجة بأجواء القتل والافتراس والصراخ والدم وانمساخ المخلوقات.
إن الأسطورة لم تقف ضمن قالبها القديم بل دخلت في محطات أخرى في وعي الانسان.. يقول الفيلسوف الألماني فريدريش ڤيلهلم يوزف شلنغ Friedrich Wilhelm Joseph Schelling: " هناك فارق كبير بين أن يخترع الإنسان الأسطورة ويصدقها ويحكيها، وبين أن يعي دلالاتها. ولأن الإنسان كان عاش الأسطورة منذ بدء وعيه، فإنه احتاج إلى زمن طويل قبل أن ينتقل إلى عملية تحليل الأسطورة وإدراك جذور ابتكاره لها. وهو إذ أدرك هذا، عن طريق الشعراء ثم الفلاسفة لاحقاً، اكتشف أنه إنما كان (من دون وعي واضح منه) يؤرخ في الأسطورة لنفسه ولكينونته ولوجوده في الكون.". أن وعي الانسان على فكرة الأسطورة بدأ باكراً، بيد أن وضع هذا الوعي ضمن منهجية واضحة وربطه بتاريخ الوعي والتجربة الإنسانيين، وصولا إلى الذروة جاء في مرحلة متأخرة نسبيًّا مع عصر النهضة الأوروبية ثم عصر التنوير، حيث تفرّغ العديد من الفلاسفة لإنجاز مؤلفات كثيرة ومهمة تبحث في الأسطورة.
إن عدم اتفاق المختصين على تعريف موحّد للميثولوجيا "علم الأساطير" لا يعني أن هذا العلم يقف في منطقة البحث في الأوهام والأكاذيب أو دليلًا على كونه غير حقيقي بل هو علم قائم بذاته يبحث في الأساطير المختلفة التي قد يعتبرها البعض قصصًا دينية تعتمد السرد القصصي التاريخي المتعلق بثقافات المجتمعات التي وجدت في العصور القديمة، وأغلب هذه القصص التي تتناولها الميثولوجيا يتعسّر على الكثيرين فهم مضامينها أو محتوياتها، لأنها من الأمور المعقّدة التي يصعب فهمها وشرحها بغير توفّر الإدراك المعرفي اللازم لفهم المعنى الحرفي لما ورد فيها.
تتميز الميثولوجيا بمختلف أنواعها وجذورها سواء التاريخية، أو الدينية، أو الاجتماعية عن باقي الأنواع الأخرى من العلوم بمجموعة من الخصائص, إذ أنها تتضمن أعماق فلسفية كبيرة للغاية، وتحمل مجموعة من الدروس الأخلاقية والقيم الاجتماعية التي تكمن داخل رموزها لكن لا يمكن التوصل إلى مفاتيحها إلا من خلال فهم تحليلي لمجازاتها الميثولوجية، وتأثير العلاقات التي تتضمنها تلك الأساطير وتأثّر الأخيرة بالمجالات الأسطورية الجغرافية والتركيبات الحياتية للمجتمعات والحضارات القديمة.
تحمل الأسطورة توصيفًا لتفاصيل الحياة بطريقة غير منطقية، مما يلفت النظر إلى الطريقة التي كان انسان تلك الأزمنة يرى بها الأمور ويزنها ويتقبّل بها أقداره أو يرفضها.
ترتبط الميثولوجيا بالعديد من الظواهر البارزة والمكوّنة للطبيعة، مثل " الشمس، والماء، والنار، والقمر, والرياح, ... الخ" وتتعلق ببعض الأمور المرتبطة بالإنسان كالشعور، والحكمة، والرغبات.. وتتمحور حول فكرة السر العلوي الذي يسكن داخل التفاصيل الكونية ويحرّكها وتتحرّك حولها حياة الإنسان ومصيره.
وفي الحلقة القادمة من البحث سنتطرّق لعلاقة كل ما تقدّم ذكره بالأربعين!
في الحلقة القادمة سنقترب أكثر من عنوان الحلقات..
يتبع ...